"تذكر زميلك فلان"؟ "هل يعرف أحدكم أين وضعت مفتاح سيارتي"؟. مثل هذه الأسئلة المحيرة التي لا تسعفنا ذاكرتنا أحيانًا للإجابة عنها قد تشعرنا بأننا في بداية الإصابة بأعراض مرض الزهايمر على الرغم من أن بعضنا لا يزال في أشد العمر، بيد أن عددًا من الدراسات والأبحاث تطمئننا بأن كثرة النسيان أصبحت جزءًا من سمات هذا العصر الذي سيطرت عليه التقنيات الحديثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية في هواتفنا الذكية المحمولة، حتى أصبح أحدنا بالكاد يحتاج إلى استخدام ذاكرته البشرية بعد أن استعاض عنها بذاكرة هاتفه الذكي.
وعلى الرغم من الفوائد العظيمة والمميزات الجمّة التي جلبتها لنا التقنية الحديثة من سرعة إنجاز الأعمال وسهولة التواصل مع الأقارب والأصحاب بالصوت والصورة، إضافة إلى تعدد خيارات الترفيه والتعليم، فقد نشر موقع «DW» الألماني دراسة حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تراجع قدرة الإنسان على تذكر حوادث معينة في حياته، وذلك لاختلاط المشاهد التي تكون في الواقع مع المشاهد التي تكون في العالم الافتراضي عبر المنصات الرقمية. كما نشرت الأكاديمية العربية الدولية تقريرًا عن أثر الإفراط في استخدام الهاتف الذكي، وأنه قد يتسبب في زيادة حالات النسيان وفقدان القدرة على التركيز وضعف الانتباه.
وقد تطرقت تلك التقارير وغيرها إلى ما يعرف بظاهرة "كسل الذاكرة" التي تحدث نتيجة للاعتماد شبه الكلي في حفظ المعلومات على ذاكرة الهاتف الذكي بدلًا من الذاكرة البشرية. وبالنسبة لي، فقد كنت قبل اقتناء هاتفي الذكي أحفظ أرقام الهواتف الثابتة، قبل انتشار الهاتف المحمول، لبيوت أعمامي وعماتي وأخوالي وخالاتي وأصدقائي. بل كنت أضغط على أزرار الهاتف الثابت بحركة لا إرادية لقوة حفظي لتلك الأرقام. أما الآن وبعد توقيع عقد شراكة طويلة الأمد بين عقلي وهاتفي الذكي، فبالكاد أحفظ أرقام الجوال لاثنين فقط من أسرتي المقربة إلى جانب رقمي، بالطبع.
لقد حفلت ذاكرتي عندما كنت أدرس في مراحل التعليم العام قبل ثلاثة عقود بحفظ شتى أنواع العلوم والمعارف يتقدمها، جدول الضرب لأتجنب الضرب من قبل المعلم، بالإضافة إلى حفظي لجزيئات عناصر تركيب المادة والماء والهواء، مع معرفتي لأسماء عشرات الدول حول العالم وعدد سكانها وتضاريسها وما يحدها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. أما اليوم فإنني بالكاد لا أخطئ في تذكر أرقام لوحة سيارتي التي صحبتني مشكورة زهاء عشر سنوات، والتي ما إن أقف بها في مواقف السيارات متعددة الطوابق في السوق أو المطار حتى أُخرج هاتفي الذكي لالتقط صورة لرقم الموقف كي لا أنسى مكانها وتضيع بين جموع السيارات، وذلك على الرغم من سهولة رموز المواقف التي تتكون عادة من رقم وحرف واحد فقط. فيا للفرق الشاسع بين ما كانت عليه ذاكرتي بالأمس واليوم.
وفي الختام أيها الكرام، أود أن أطرح عليكم وعلى نفسي تساؤلًا وهو: إذا ما حدث عطلٌ مفاجئ لهواتفنا الذكية أو نفدت البطارية في مكان لا توجد به وسائل لإعادة الشحن، ترى ما هي المعلومات الضرورية التي كنا نتمنى أن لو حفظناها في ذاكرتنا البشرية؟ وهل توجد لدينا خطة بديلة (Plan B) تسعفنا لاسترجاع أو تذكُّر معلوماتنا المهمة لحين عودة هواتفنا الذكية للعمل مرة أخرى؟ أترك الإجابة لكم. وراجيًا أن تكون "نعم".
عمر النعيمي، إدارة شؤون الأراضي.
يرحب أرامكو لايف بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها. cw@exchange.aramco.com.sa