ها نحن معشر المسلمين نستقبل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ونتوق جميعًا إلى أن يوفقنا الله، سبحانه، لقيام ليلة القدر، وأن يمنحنا الله القبول في الدنيا والآخرة، وأن يتقبل منا ما مضى من رمضان، فقد انقضت عشرون ليلة منه، لو سألت أغلب الناس عنها كيف مرت عليهم، لأجابك معظمهم بأنها مرت كلمح البصر، بل وسيخبرك الكثير أنهم لم يستوعبوا سرعة الوقت، وأننا أصبحنا على أعتاب الثلث الأخير من رمضان.
والحقيقة أن الإحساس بسرعة الوقت لا يقتصر عند معظم الناس على شهر رمضان فحسب، بل ينسحب ذلك على معظم الأيام والسنين. ووجدت أن ذلك الإحساس يزداد، مؤخراً، ويزداد معه الإجماع على حقيقته التي لا تبعث على الراحة. فالكل يرجو أن لو كان بيده أن يوقف الوقت أو يبطىء من سرعته قليلًا، فلماذا يا ترى يشعر معظمنا بأن الوقت يمر سريعًا؟
قرأت عن الشعور بسرعة الوقت، فوجدت أن العلماء المهتمين ومراكز الأبحاث يؤكدون أن معظم الأشخاص يشعرون بأن الوقت يمر بسرعة رهيبة وأن السبب يكمن في أن لدينا الكثير لنفعله، بينما ليس لدينا متسع من الوقت لفعل كل شيء.
ويسمي الباحثون هذا "ضغط الوقت" time pressure ، والمخيف هنا أن ذلك يسير جنبًا إلى جنب مع الإجهاد. فكلما زاد الإجهاد، قل احتمال تركيزنا وحضورنا في الوقت الحالي، فنحن نحاول فقط أن نجتاز اليوم بأسرع ما يمكن وعندما نفعل ذلك، لا نبقِ لدينا وقتًا لنستغله في التأمل في محيطنا وبناء ذكريات دقيقة ومفصلة، ولذلك فتصورنا عن الوقت حتمًا سيبدو وكأنه يطير.
يميل أغلب الناس خلال الإجازات إلى أن يتركوا وراءهم الإجهاد والقلق ويركزوا فقط على الاسترخاء والاستكشاف والاستمتاع بالحياة، لذلك وجد العلماء أن ممارسة بعض العادات العملية والتجارب الجديدة كفيلة بجعل حياة الكثيرين اليومية أشبه بما يمارسوه من نشاطات خلال الإجازة.
فالتخلي عن مساحة الراحة الخاصة بك سيحدث فرقًا كبيرًا، فالوقت يطير لأن لدينا عددًا أقل من التجارب الجديدة، ولذلك فإن أفضل طريقة للتغلب على "طيران" الوقت وضياعه في حياتك هي إضافة بعض التجديد فيها كالتعرف على أشخاص جدد وزيارة أماكن جديدة وتجربة هوايات أو أطعمة جديدة.
ونعلم جميعًا أنه من المستحيل أن نقوم مهما فعلنا بإبطاء الوقت إلى درجة نشعر معها أن الوقت يمر فيها بنفس الطريقة التي كان يمر بها علينا حين كنا نبلغ من العمر عشر سنوات، إلا أنه بالتأكيد هناك بعض الأشياء التي يمكننا القيام بها على الأقل للتخلص من ذلك الشعور بالوقت وكأنه يمر بسرعة البرق.
ولعل الفرصة سانحة مع بداية العشر الأواخر إلى تغيير الروتين اليومي في رمضان بالإكثار من الصلاة والتعبد والصدقات وتلاوة القرآن والدعاء والإحسان إلى الآخرين بطرق تقدم لنا تجربة جديدة، ولا تُخل بالعبادة، وتمنح لنا مساحة للتدبر والتأمل، قد تضفي على حياتنا هدوءًا نحن بأمّس الحاجة إليه، وفي الختام أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يبارك لنا في أوقاتنا جميعًا.
غيث الشايع، إدارة الإعلام والتواصل التنفيذي.
يرحب أرامكو لايف بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها. cw@exchange.aramco.com.sa