أقبل علينا رمضان هذا العام في فصل الربيع بعد غياب قرابة ثلاثين عامًا، فقد خلّفت ورائي أيامًا وسنين عديدة، وسوف نعيش هذه السنة ساعات الصيام ولياليه في نسمات الربيع الجميلة المليئة بعطر الرحمة التي يمن الله بها علينا في هذا الشهر الكريم، ونتخفف بها من بعض شتاء المكيفات.
وأذكر هنا، والشرح يطول، زمنًا مضى يندر فيه جهاز تكييف، يتصبر فيه الصائمون بلحاف مبلل بالماء أو مراوح ودهاليز لتيارات هواء رطب، وأمهاتنا وأخواتنا في خضم ذلك الطقس الصعب في طبخ ونفخ، خدمة لأبيهم وإخوتهم وكذا جيرانهم الذين ينالهم دائمًا نصيب من الأطباق التي تعودنا عليها في رمضان، كذا كان ديدن أهل الطيب والكرم من أهلنا وجيراننا.
«ربيع ينثني عطرًا وطيبًا،،، به رمضان يحيي القلوبا»، ما أسعد قلوبًا قد انتظرت القدوم، وأبهج نفوسًا قد نسيت الهموم. كم من رمضان عشناه وكم من شهر عشقناه ولكنك يا رمضان لست مثل كل الشهور، أرى فيك أهلي سعداء وإخوتي حولي كل ليلة، وأحبتي وجيراني لا يغيبون عن ناظري، فما أحلا الاجتماع في وقت سعيد وليالٍ مباركةٍ. ديننا يعلمنا أن نكون رحماء وأن نكون كرماء وفضلاء، وتلك السمات في رمضان أقوى وأولى. إن الصيام في هذا الشهر يهذب النفس لترقى، والقلب ليسعد ولا يشقى، وبه الأعمار تحيا على الخير وتبقى.
أما عن صيام الموظف في مكتبه فهو يعلمه الالتزام بأداء العمل فلا شيء يلهيه لا أكل ولا مشرب ولا «فسحة دخان»، فهذا زمن يظهر فيه صبر المسلم ونقاء سريرته، فقد استقام جدول العمل بلا كلل ولا ملل، وفي نفسه شوق إلى فطور جميل مع أهله، وطاعات تسعده ولا تشقيه. إن الصائم في حال جوعه وعطشه يتذكر أناسًا كتب الله عليهم الحاجة، فتراه يتصدق ويتعهد الجار والفقير فهو في شهر الطاعة والأجور فيه مضاعفة. وكعهدنا بها دائمًا، فقد أحسنت الشركة إذ أطلقت حملة التبرع للأسر المحتاجة في رمضان، فهذا يبذل من ماله وذاك بجهده ووقته فتتضافر الجهود ويعم الخير وتسعد النفوس الطيبة بما ترى من أثر لها يتعدى محيط شركتها وجيرانها وبلدها. وهاهم القائمون على هذا الجهد المبارك يضاعفون التبرع بمثله. فلا تبخلوا على أنفسكم يا أخي ويا أختي «ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه».
ونحن وإن زارنا رمضان ثم غادرنا إلى لقاء قريب إن شاء الله، فلن ننسَ أن نلتزم بالأمل والعمل وحب الناس في باقي الشهور كما كنا في رمضان. وأخيرًا لا يكن همك كله أصناف الطعام، فالتوسط في كل شيء أعظم مكسب تكسبه لخلقك وصحتك، كن في عملك خير ما يكون الموظف، ولا تركن إلى الدعة والكسل، فليس طبع أهل الجد «وضع اليد على الخد»، اللهم بارك لنا في شهرنا وبلغنا عظيم الأجور واملأ قلوبنا وقلوب أحبابنا بالفرح والسرور، إنك لما تشاء قدير.
فلاح العتيبي، إدارة خدمات شؤون أرامكو السعودية.
يرحب أرامكو لايف بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها. cw@exchange.aramco.com.sa
