لطالما تبادر إلى مخيلتي شغف التعرف على أقوى جنود الله. كنتُ أفكر مليًّا بهوية ذلك الجندي وسماته التي خصه الله بها ومكنه عبرها لكي تكون له الغلبة على كل ما سواه من مخلوقاته التي لا يحصى عددها.
أتراه يكون البحر؟ لكننا نستطيع الفرار منه إلى اليابسة أو عبوره بالسفن. هل هي النار؟ ولكننا نتغلب عليها بالماء ووسائل إطفاء الحريق الأخرى. أهي الجبال، إذن؟ ولكننا شققناها وعبّدنا الطرق في قممها والأنفاق من خلالها. أتكون العواصف؟ سنتجاوزها بمكوثنا في منازلنا حتى تهدأ.
كلُّ «جندي» تطأ أقدامه أرض مخيلتي وجدتُ له حلًّا، إما بالتغلب عليه أو بتجنبه، لكن الجندي الوحيد الذي لم أجد مدخلًا للتغلب عليه أو لتجنبه هو الوقت.
ومن عدل الله، سبحانه وتعالى، أن جعل هذا الوقت حقًّا من حقوق الجميع؛ فالغني لديه أربعة وعشرون ساعة والفقير لديه مثلها. كذلك السليم والمريض والقوي والضعيف والأستاذ والطالب والذكر والأنثى والكبير والصغير.. إلخ. ولذلك لا فرار من هذا الجندي ولا انتصار عليه.
الوقت عنصر أساس ومسؤول عن أي تغيير. الوقت كفيل بأن يعود المسافر ويُشفى المريض ويُنسى التعب. ومنذ الأزل، مرَّ الوقت على جميع العصور وشهد كل الأحداث. والمؤكد أن مغالبة الوقت ومحاولة إلحاق الهزيمة به لن تجدي نفعًا، وكذلك محاولة تجنبه وتحاشيه؛ إذ لا سبيل لإنسان للخروج من دائرة الوقت مهما بلغ من قدرة وغنى وقوة.
الطريقة الوحيدة لكسب ود هذا الجندي هي إدارته. ومن هذا الباب أقول، عزيزي القارئ، إن كنت ستقضي ثماني ساعات في العمل، فاجعلها ذات قيمة تعود بالنفع عليك! اعمل بجد واسأل وابحث وتعلّم حتى تتمكن من إتقان عملك والاستفادة القصوى من الوقت.
إن حسن تصرفك في الوقت خلال ساعات العمل سيعود بالنفع عليك عند تقييم هذا العمل أو عند ترقيتك؛ فلا تجعل تلك الساعات الثمان تمر هباء منثورًا!. حدد هدفك واشحذ همتك وكن طموحًا واترك بصمة مميزة لك في العمل، وكما يقال: «لا تتوقف عندما تتعب! توقف عندما تحقق هدفك!».
هل بدأت في الربط بين قوة الوقت والاستفادة منه؟ هل ستكسب ود هذا الجندي العظيم؟ هل وظفته بالشكل الذي يجعلك حليفًا له؟ هل أنجزت من الأعمال شيئًا مهمًّا أو تعلمت أمرًا جديدًا أو ساعدت زميلًا؟
الوقت حق مشروع لجميع مخلوقات الله وسيمر ويعبر على جميع أصناف البشر بمختلف أعمارهم وأعراقهم ودولهم وما مضى منه لن يعود أبد الدهر، بل سيكون شاهدًا إما لك أو عليك، فتأكد من انتصارك عليه بحسن إدارتك له.
سالم السلوم، إدارة الصيانة في معامل بقيق.
يرحب أرامكو لايف بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها. cw@exchange.aramco.com.sa