بدايةً، سأطرح سؤالًا بسيطًا وهو: كم هو عدد المرات التي تنظر في المرآة إلى نفسك، وكيف تكون هذه النظرة؟ أسريعة هي أم متأنية؟ هل تتأمل فيما تراه فترتسم إثر ذلك بسمة على شفاهك؟ وإن لم يرق لك ما تراه، فهل ستحاول أن تصلح ما لا يروق لك بالكثير من الحب لهذه الصورة المنعكسة في مرآتك؟
قد نصبّ جام غضبنا على صورتنا المنعكسة في هذه المرآة، وربما نتجاهلها، وفي بعض الأحيان قد يدفعنا السخط لتحطيمها، مع أن هذا الأمر لن يغير شيئًا من هذه الصورة التي نراها كل يوم ونعرفها جيدًا.
المسألة هنا ليست مقتصرة على شكلنا الظاهري فقط ومرايا الزجاج التي نراها في كل مكان، بل قد يمتد الأمر إلى بواطن النفوس، وإلى نوع آخر من المرايا المعنوية التي لا تُرى بالعين المجردة. ألم يحدث أن صادفت أناسًا كنت شديد الكرم معهم، صادقًا معطاء، بأي شكل كان هذا العطاء، وإذا بهذا العطاء ينقلب عليك في لحظة إلى جحود؟
فكل ما قوبلت به هو نكران الجميل وربما طعنة في الظهر، أو حتى محاولة تحطيم صورتك بالكامل. ألم تتساءل لماذ يحدث كلّ ذلك، في حين أنك لم تفعل ما تستحق عليه كل هذه المعاملة السيئة على اختلاف صورها؟
بنو البشر هم مرايا لبعضهم البعض، رضينا بذلك أم لم نرضَ به؛ فنحن نرى أنفسنا في الآخرين، كما يرون أنفسهم فينا. وعندما يرى البعض ما يعجبه في شخص آخر تتفاوت الانطباعات والسلوك تجاهه؛ فالبعض قد يبتسم لما يرى ولا يتوقف لأن أمامه الكثير من الوقت وقد يسعى ليكون ما يريد، وهناك من يعجبه ما تقع عليه عيناه فيحاول أن يصل لمثله ويقوم بتقويم نفسه قدر طاقتها. علينا هنا الاعتراف بتفاوت قدرتنا على العطاء والتغيّر.
وهناك نوع آخر من الناس كلما رأى جمالًا فيمن أمامه، انعكست له صورة قبحه الداخلي وكره أو عجز عن أن يبدلها، مع أنني لا أؤمن أن هناك مستحيلات عند وجود الإرادة الصادقة في التغيّر للأفضل بالطبع. وهنا كلّ ما يستطيع فعله هو أن يحطم هذه المرآة التي أمامه متمثلة في شخص فاقه في الجمال الداخلي وأشعره بعجزه ومدى التشوّه الذي يسكن في حناياه.
فلكل من تساءل عن سبب رد الحسنة بالسيئة أقول إنك كنتَ مرآة عكست لشخص آخر مدى قبحه فلم يستطع إلا أن يحاول تهشيم هذه المرآة في محاولة عاجزة لإزالة أي إثبات على التشوّه الذي يملأ داخله.
فما علينا إلا أن نتأكد أنه مهما بدا هذا المنتصر سعيدًا فهو الوحيد الذي يقبع في الظلمة، وهو مبصر لقبحه وما علينا الا أن نُبقي مرآتنا في أحسن حالاتها دائمًا، غير عابئين بالانكسار الذي لا يلوح إلا في عين صاحبنا المهزوم عجزًا وقبحًا.
هنادي المطلق، مجموعة الموارد البشرية في دائرة التكرير والمعالجة والتسويق.
يرحب أرامكو لايف بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها. cw@exchange.aramco.com.sa
