انتهينا الأيام القريبة الماضية من احتفالاتنا المبهجة باليوم الوطني الثاني والتسعين لمملكتنا الغالية، والسؤال الذي يلح علي ويؤرقني هو: هل يوم واحد يكفي ليقول الحب كلمته في مناسبة بكل هذه التفاصيل والأبعاد؟ ثم كيف نقوّي أواصر الحب بيننا وبين الوطن؟
لا شك أننا في حاجة ماسة لتعميق جانب الحب في نفوس أبنائنا عبر رفع منسوب الوعي لديهم بمكانته ومقدراته. الوطنية، يا أحبتي، لا تكون بمجرد الهتاف والتصفيق، ولا بالرسم والغناء، ولا بقصائد جوفاء، مجردة من مشاعر الانتماء.
الوطنية بذل وعطاء، واستثمار في الأرض والإنسان؛ فالفلاح الذي يبذر دقات قلبه في الحقول ويحرثها بسواعده ويسقيها بعرق جبينه، يجسد دور الوطني المخلص. والكاتب الذي يدافع عن حقوق بلده، وينزف حبره في الذب عن قضايا أمته، ويُشِيع روح القيم والإخلاص، يجسد دور الوطني المخلص. والخباز الذي تلفح وجهه النار، وهو يرمي العجينة في التنور، وينتظرها تنصهر كما تنصهر أحاسيسه خدمة للناس الذين يطعمهم أرغفته الساخنة، يمثل دور الوطني المخلص.
أما الشاب الذي يرفع الأعلام الخضراء على سيارته ويحيطها بالزينة، ويهتف بالنشيد الوطني، ثم يخالف قواعد المرور فهو لا يخدم وطنه. والأسرة التي تخرج للتنزه في الحدائق بصحبة الأطفال، حاملة البالونات بلون الراية الخضراء، ثم لا تراعي عبارة «دع المكان أفضل مما كان»، فهي أسرة لا تخدم وطنها. والجندي الذي يقف احترامًا للسلام الملكي، ثم لا يقف احترامًا لوالده المسنّ ويكون عاقًّا له، غير بار به فهو لا يمثل أخلاقيات المواطن الصالح.
والموظف الذي يتقاضى مرتبًا شهريًّا، ثم يستغل وظيفته لمصالحه ومكاسبه الشخصية فهو المفسد الذي تحاربه الدولة اليوم بكل عزم وحزم. والمسؤول الذي يتوانى في خدمة المواطنين ويتعالى على مراجعيه دون لين جانب ولا مراعاة، فهو يطعن وطنه في الخاصرة.
الوطن أيها الأحبة انتماء رفيع للسمو، وانحياز للوفاء ضد الغدر، ومحبة منبعها القلب والوجدان، لا الشفاه ولا اللسان. الوطن صداقة للأرض، وغيرة على العرض، وحفاظ على الممتلكات، ونشيد مرتبط بالعمل، والتزام بتطبيق القانون، وسير على نهج التعاليم، وسعي حثيث للتطور، ونبذ للعنصرية والطائفية والعرقية والقبلية.
الوطن إيمان بالإنسان بما هو إنسان. وليس عيبًا أن تتغنى بوطنيتك ما دمت تصون العهد ولا تخون الأمانة. وإذا شئنا اختصار القول وإيجاز العبارة فإن الوطن هو حياتك، فلا ترهن حياتك إلى يد عدوك، وحاذر أن تكون أنت العدو من حيث لا تعلم.
جاسم عساكر، شاعر وكاتب سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.