في الذكرى الـ 70 لرحيل أحد روَّاد اكتشاف النفط في المملكة..
كيف أسهم ستاينكي في اكتشاف أكبر حقل نفط في العالم؟
يصادف هذا العام الذكرى السنوية السبعين لرحيل ماكس ستاينكي، عالم البترول الأمريكي، الذي أسهمت جهوده في اكتشاف النفط بكميات تجارية في المملكة في بئر الدمام رقم 7، المعروفة الآن باسم (بئر الخير).
واشتُهر ماكس ستاينكي بأنه المسؤول عن إصدار الأمر بـ«الحفر لعمق أكبر» في بئر الدمام رقم 7، حيث اكتُشف النفط بكميات تجارية لأول مرة في المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، فإن الجوهرة الحقيقية في رحلة النفط في المملكة هي اكتشاف حقل الغوار، أكبر حقل عملاق في العالم. ولكن ما الدور الذي اضطلع به ستاينكي بالضبط في اكتشاف الغوار؟
كان ستاينكي قائدًا بطبيعته، ولهذا تمت ترقيته إلى منصب كبير الجيولوجيين في عام 1936م، أي بعد عامين من وصوله إلى المملكة.
أما قصة دوره في اكتشاف حقل الغوار فهي أكثر تعقيدًا من قصة بئر الدمام رقم 7، ولكنها في الوقت نفسه تشير إلى ذكائه المتوقِّد. وخلاصة القول أنه كان بالتأكيد مشاركًا في هذا الاكتشاف المهم، كما كان هو الحال أيضًا بالنسبة لآخرين من روَّاد تلك المرحلة.
بقيق أولًا
ولكن، نحتاج أولًا للرجوع إلى الوراء والنظر في قصة اكتشاف حقل بقيق، الذي سبق اكتشاف حقل الغوار. كان فريد ديفيز من كبار الجيولوجيين، كما تولَّى منصب كبير الإداريين التنفيذيين في أرامكو السعودية في معظم فترة الخمسينيات من القرن الماضي.
وكان ديفيز يحمل الكثير من الاحترام والتبجيل لستاينكي بعد حادث استثنائي وقع في نهاية عام 1936م؛ فقد ذهب ستاينكي معه إلى الموقع الذي يوجد فيه حقل بقيق اليوم، وتوقف على منحدر عند الكثبان الرملية ليشير إلى سد الجبل وجبل غريميل البعيد. عندها قال ستاينكي: «يجب أن يكون النفط تحت الأرض ... علينا أن نحفر هنا».
كان جواب ديفيز حينها: «لا أستطيع حتى أن أرى ما تشير إليه، ولكنك قد تكون على حق». بعد أربع سنوات، قامت الشركة بالحفر في تلك المنطقة تحديدًا، لتكتشف حقلًا عملاقًا يُعدُّ من بين الأكبر على مستوى العالم.
ويُظهر هذا الموقف أن ستاينكي كان من بين الأوائل الذين نجحوا في فهم طبقات الأرض والتركيب الموجود تحت السطح الخالي من المعالم تقريبًا في المنطقة الشرقية من المملكة، وبهذا تبوَّأ مكانته بين أفضل الجيولوجيين الميدانيين في العالم.
حقل الغوار
أمَّا حقل الغوار فهو ضخمٌ جدًا، بحيث إنه لم يُكتشف كحقل نفطي واحد أول الأمر. ففي عام 1949م، وصف ستاينكي عين دار وحرض كحقلين نفطيين منفصلين، وهما يشكلان اليوم منطقتي الإنتاج الشمالية والجنوبية في حقل الغوار. واستغرق الأمر حتى عام 1954م، حين أعلنت أرامكو السعودية أن الحقلين مرتبطان أحدهما بالآخر بكل تأكيد، بعد إجراء أعمال الحفر المكثفة.
ولكن منذ عام 1935م، كان ستاينكي يظن أن النفط موجود في منطقة الغوار، ولذلك شعر بالحماس الشديد عندما توصل إرني بيرغ، وهو أحد الجيولوجيين في فريقه، إلى اكتشاف استثنائي في يناير من 1940م. وقد شعر بيرغ بالحيرة بسبب وجود انحناء لا تفسير له في وادي السهباء بالقرب من حرض.
لذا، فقد قام بقياس جميع الجبال ذات القمم المسطحة، وأدرك أنها كانت تشير إلى وجود ارتفاع هيكلي أو قبة، وهو ما يشير إلى احتمال وجود النفط تحت الأرض في ذلك الموقع.
نهاية مؤسفة قبل الخبر السعيد
عندما درس ستاينكي خرائط بيرغ، شعر بالحماس الشديد وأعلن أن بيرغ اكتشف بالتأكيد حقلًا نفطيًّا جديدًا. وبسبب الحرب العالمية الثانية آنذاك، جرى حفر ثلاث آبار استكشافية ناجحة في حرض فقط في عام 1949م. ولم يحاول ستاينكي أن يدعي أن الاكتشاف يعود له شخصيًّا، على الرغم من أنه كان يُعدُّ المرجعية الجيولوجية الأبرز.
وفي وقت لاحق، كتب توماس بارقر، وهو عضو آخر في فريق الجيولوجيين، أن ستاينكي كان «أحد أبرز شخصين قابلتهما في حياتي. أما الشخص الآخر فكان المرشد الصحراوي الأسطوري خميس بن رمثان». ويأتي هذا الثناء الحقيقي من رجل أصبح كبير الإداريين التنفيذيين في أرامكو في معظم فترة الستينيات من القرن الماضي.
وللأسف، جاءت بداية النهاية لستاينكي في عام 1947م، فبينما كان يسعى جاهدًا لتحرير سيارته بعد أن عَلِقت في إحدى السبخات، إذا بها تنزلق إلى الخلف لتصطدم بساقه، مما تسبب له في جلطة دموية.
وفي العام التالي، تسببت الجلطة بسكتة دماغية، فتدهورت صحته، وعاد إلى كاليفورنيا حيث واصل العمل لدى الشركة كمستشار حتى وفاته في عام 1952م، قبل أن يتجاوز عمره حينها 54 عامًا. وكان توقيت وفاته يعني أنه لم يُقدَّر له أن يرى تحقُّق ما كان واثقًا منه في داخله، وهو أنه وفريقه أسهموا معًا في اكتشاف حقل الغوار!