محظوظون هم جيل الثمانينيات من القرن الماضي، من وجهة نظري طبعًا، فقد يرى أبناء هذا الجيل أنني مخطئ في حكمي.
أرى أنهم محظوظون لأن وعيهم تفتح على برامج تلفزيونية مغايرة لما يشاهده الناس الآن، وأعني البرامج التعليمية التي كنا نتابعها بشغف؛ فقد وعيتُ أنا نفسي على هذه البرامج؛ إذ لم تكن مجرد برامج للتسلية، بل كانت للتثقيف والتوعية.
من هذه البرامج ما جعلنا نلم باللغة العربية أكثر، كالبرنامج العراقي الذي كان يبث في كل القنوات التلفزيونية (أحلى الكلام/ مدينة القواعد)، الذي سهل لنا قواعد اللغة العربية بأسلوب درامي مدهش ومحبب، لا يمكن أن ينساه من شاهده، فهل هناك برنامج يشبهه الآن؟ لا، بالطبع.
ومن تلك البرامج، البرنامج الشهير (افتح يا سمسم)، الذي كان مشروعًا تربويًّا تعليميًّا ضخمًا من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي، والذي جُنِّد له عدد كبير من التربويين والفنانين لإنتاجه وتقديمه عبر المشهد الدرامي والكارتوني وعبر الأغنية القريبة من الطفل، ومثله برنامج (المناهل) الأردني.
هذه برامج تعليمية يمكن تشبيهها بمدرسة تعلم وتربي وتثقف. وبالتأكيد لن ننسى برنامج (سلامتك) من إنتاج ذات المؤسسة الخليجية، والذي بسّط لنا المفاهيم الصحية، ووعّانا بعديد من الأخطار حولنا وكيف نتجنبها.
كان برنامجًا فريدًا من نوعه، مثله مثل برنامج (قف) وهو برنامج مروري يركّز على تثقيف المشاهد بأنظمة المرور المعتمدة في دول الخليج؛ ففي كل حلقة يختار عنوانًا أو نظامًا مروريًّا يقدمه بإطار درامي شيق.
مَن مِن جيل الثمانينات ينسى أغنية مقدمة البرنامج «الأمن والسلامة، الأمن والسلامة، لكل من يستخدم الطريق»!
حتى مسلسلات الكارتون كانت مسلسلات منوعة، حكايات كل ما فيها قيم ومعرفة. أتذكر مسلسل (إسألوا لبيبة) وهو مسلسل يعرفنا في كل حلقة على قصة مكتشف أو مخترع، ومسلسل (كان يا ما كان الحياة) ويحكي عن قصة جسم الإنسان، فكل الأحداث تدور داخل هذا الجسم.
بالإضافة لكل هذه المسلسلات، كنا نتابع في مساءاتنا أفلام الموسوعة البريطانية التي كانت تقدم في كل فلم قصير كمًّا من المعلومات العلمية، الكيميائية والفيزيائية وغيرها من العلوم.
الآن أنا أب، وأتابع ما يشاهده أولادي. طبعًا لم يعد التلفزيون هو الوسيط الذي يشاهدون عبره، فالتطبيقات هي الوسائط الآن، المنصات أو اليوتيوب أو غيرها.. لكن لم يعد لهذه البرامج أو شبيهاتها من وجود، حتى التلفزيونات الرسمية لم تعد تهتم بمثل هذه البرامج التثقيفية، فلا وجود لمثل برنامج (سلامتك) الذي أنتجت منه قبل سنتين تقريبًا عدد من الحلقات وبُثت عبر اليوتيوب، لكنها لم تترك أثرًا كما ترك سلامتك القديم على مشاهديه آنذاك.
ولم يعد لبرنامج (قف) أو ما يشببه وجود، ونحن بأمس الحاجة لتثقيف الجيل الجديد بأنظمة المرور، وبالتأكيد لن يكون هناك مدينة للقواعد، فالجيل الجديد – ولنعترف بذلك - لم يعد يكترث باللغة العربية ولا بقواعدها ولا بمستوى إتقانها، حيث يكفيه إتقان الإنجليزية!
لم يعد التثقيف هاجس صناع البرامج والمسلسلات، كما كان الأمر سابقًا، حين كانوا يختارون بدقة ما يقدمونه للمشاهد. كان التلفزيون وسيط معرفة وتثقيف وعلم كما كان وسيط تسلية، و«سقى الله زمان راح».
عباس الحايك، كاتب مسرحي وسيناريست.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية