ما الذي يجعل الحياة أخفَّ وطأةً وأكثرَ احتمالًا؟ يجيب الكاتب الأمريكي الساخر كورت فونيجت بأن الفن ليس وسيلة لكسب العيش فقط، بل إنه الطريقة الإنسانية لجعل الحياة أكثر احتمالًا، ويضيف بقوله: «قم بممارسة الفن دون أن تهتم إن كنت تقوم بذلك بشكل جيد أو سيء. الفن هو الطريقة الصحيحة لجعل روحك تنمو وتزدهر. لذلك، احتمِ بالفن! وهي ليست مزحة على الإطلاق».
شخصيًّا، أؤمن أن ذائقتنا تتشكل نتيجة لتجاربنا، وبما أن غاية الفن كما يقول بيكاسو هي إزالة غبار الحياة اليومية العالق في الأرواح، لذا ستجدني أبحث عن ما يجدد تلك الروح، وهو ما تحقق لي وعثرت عليه قبل أيام في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، حيث وقفتُ وجهًا لوجه مع الإبداع والفن والدهشة في مهرجان أفلام السعودية، بنسخته الثامنة.
الجميع متسمرون صوب الشاشة في أول عرض عالمي لفلم «رقم هاتف قديم»، الذي يناقش أزمة منتصف العمر، وحقيقة التغييرات التي تحدث وكيف يمكن للشخص الانطلاق من جديد دون تردد.
الفنان يعقوب الفرحان، الذي أدى دور الشخصية الرئيسة في الفلم، نجح إلى حد بعيد في تقمص الشخصية بترددها وتناقضاتها وتمزقها، وترك بأدائه المتقن انطباعًا لا يمحى بسهولة من الذاكرة.
أبدع كاتب ومخرج الفلم علي سعيد، كما أبدع كثير من الشباب والشابات في تقديم أفضل العروض طيلة أيام المهرجان.
من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، هناك كثير من القصص والتاريخ الذي يحكى عن مجد هذه البلاد وأصالتها لمَشَاهدَ تشبهنا وتشبه هويتنا الحقيقية؛ فالمملكة غنية بمخزونها الحضاري وإرثها التاريخي والثقافي.
فلم «قوارير» الذي حصد أربع جوائز عن أربع فئات مختلفة جاء ليسلط الضوء على قضايا المرأة، في حين عاد بنا الفلم الذي حصد على جائزة النخلة الذهبية لأفضل فلم وثائقي قصير «من ذاكرة الشمال»، إلى الذكريات الأليمة لحرب الخليج الثانية واحتلال الكويت.
في حفل الختام، كان المشهد مختلفًا حين أطلَّ الشاعر أحمد الملا، مؤسس ومدير مهرجان أفلام السعودية، وعراب الحركة السينمائية، كما يسميه محبو السينما والمشتغلون بها، خاصة من الشباب المقبلين بقوة وحماس منقطع النظير، وذلك وسط تصفيق واحتفاء يليق به ويستحقه حتمًا. ومن الملفت في كلمة الملا قوله وهو الشاعر في الأساس، إنه «إذا كان الشعر ديوان العرب، فالسينما هي رواية العالم».
ختامًا، أبارك للجميع نجاح مهرجان أفلام السعودية في نسخته الثامنة، ولا يساورني أدنى شك في أن قلوب ومخيّلات السينمائيين السعوديين باتت معلقة ومتوجهة منذ الآن صوب النسخة التاسعة التي ستزخر هي أيضًا بمزيد من قصص النجاح والأفلام التي تحاكي الحياة وتجعلها أخف وطأة في الوقت نفسه.
رائدة السبع: كاتبة سعودية.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.