السينمائيون السعوديون وعُشّاق السينما في بهجة عارمة في ظل تحقق الكثير من الرغبات والأمنيات واحدة تلو الأخرى.
فالجامعات بدأت تتنافس في إضافة السينما إلى التخصصات التي تدرسها؛ الشيء الذي كان بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلًا تمامًا. وسبق هذا التطور الأخير، تأسيس هيئة الأفلام كجزء مهم وفاعل من وزارة الثقافة، وتدشين مهرجان البحر الأحمر، والدعم الملاييني لهواة السينما وصنّاع الأفلام، وفتح دور العرض السينمائية.
وكان قبل هذا كله الانفراد الريادي لمهرجان أفلام السعودية، الحاضن الأول لعُشّاق السينما هواةً وصنّاع أفلام، منذ دورته الأولى في ٢٠٠٨م، استمرارًا نحو المستقبل.
صورة في غاية الجمال حقيقةً، وتزداد جمالًا مع مرور الأيام، أو هكذا أتمنى، لكن ثمة ما يهدد بتعكير صفائها وإلحاق لطخات تشوه بها، يتمثل في حقيقة أن السينما السعودية بلا جمهور، إذ لا جمهور لها خارج دوائر صنّاع الأفلام وأقربائهم وأصدقائهم، وخارج مهرجاناتها.
لاوجود لها في أحاديث الملايين من المواطنين، ولاتحتل حيّزًا في نطاق اهتماماتهم؛ فالدمام التي ولِد فيها مهرجان أفلام السعودية لايعلم السواد الأعظم من سكانها بوجوده، أو يكترث لحضوره لمشاهدة ما يُعرض خلال أيامه من أفلام.
أعي تمامًا أن لذلك أسبابًا ثقافية واجتماعية، ولكن ثمة أسباب أخرى لا علاقة للثقافة بها، ومنها تقصير السينمائيين أنفسهم، وكذلك الجهة الراعية للسينما، وأعني بها هيئة الأفلام، في ترسيخ وجود الفلم المحلي وتثبيت أساساته والعمل على امتداده وتوزعه في جميع أرجاء الوطن.
مهرجان سينمائي أو مهرجانان لا يكفيان لخلق حالة سينمائية متجذرة وممتدة على اتساع الوطن.
الوجود المستمر للفلم السعودي وفي كل المدن والمناطق هو أحد العوامل التي تُسهم في خلق تلك الحالة وخلق جمهور للسينما السعودية. وهذا لن يحدث مالم يُعِدْ السينمائيون ترتيب قائمة أولوياتهم.
فالأولوية كما هو واضح هي لترويج الفلم السعودي دوليًّا، في الخارج، بدلًا من اتجاه البوصلة إلى الداخل.
هناك حرص شديد على حضور الفلم المحلي في مهرجانات كل العالم، وعلى تعريف العالم على السينما السعودية، لكن لا يوازي ذلك قليل من الحرص على ترويج الفلم السعودي في الداخل.
فلولا ما تبثه الوسائط الإعلامية من أخبار عن مشاركة هذا الفلم السعودي أو ذاك في مهرجان كذا وكذا، ما علم البعض بوجود أفلام محلية.
قبل أسابيع قليلة عُرض فلم محلي في دور السينما، ولم يستمر عرضه لأكثر من أسبوع واحد، حسب أحد الأصدقاء. قد يكون لذلك أكثر من سبب.
لكن السبب الأول، في رأيي، هو حالة الجهل بالفلم المحلي؛ سبب آخر ربما هو حذر مرتادي دور السينما من المغامرة بشراء تذاكر لمشاهدة المجهول.
إن نجاح فلم سعودي واحد في اجتذاب عدد كبير من المشاهدين لا يكفي، ولا يدل على وجود إقبال دائم على الفلم المحلي، مادام هذا الفلم غائبًا في الداخل وحاضرًا في الخارج.
أعتقد أن إيقاف الفلم المذكور بعد أسبوع من بدء عرضه حدث لن توثقه «سوليوود» كما وثقت المشاركات السعودية في المهرجانات السينمائية العالمية!