﴿فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ﴾
تحمل هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف بين أحرفها أعظم الدروس في القناعة، فهي بمثابة نبراس من الرضى يتوهج في سماء ليلة غاب بدرها وحلِك سوادها وكشّرت وحوشها عن أنياب الهم والضيق، لتغرس تلك الأنياب في جسد النفس الهلوع صاحبها، ليسيطر عليه الغضب وتعمى بصيرته، فلا يرى الأمل ولا الفرص، بل قد يكون عدم رضاه سببًا لفشله في عمله أو تجارته أو دراسته، أو أي أمر فُتحت أبوابه ولاحت له فيه يد الفرص والسعادة. ولأنه قنوط غير راضٍ بما كتب الله له، تجده أبعد ما يكون عن الطمأنينة، فلا شكرًا على نعمة يرفل فيها ولا رضًى برزق ساقه الله له، فإذا به كثير التذمّر واللوم، ما يدفعه إلى التشكيك والكذب واتهام الناجح في عمله والمرزوق من تجارته والمتخرج من جامعته بعدم استحقاقهم هذا التميز والنجاح.
ولطالما تساءلت، لو ملك أحد هؤلاء القنوطين المتنمرين قصرًا تجول في فنائه الخيل وتشخص لرؤيته الأبصار، وكان على الطرف الآخر رجل يسكن كوخًا ضيقًا لا يأمن ساكنه الأفاعي والعقارب، ففراشه الصخر ولحافه السماء، لكنه كان راضيًا بهذا الكوخ وشاكرًا لله على أنعمه وقانعًا بما أوتي ومتفائلًا ومثابرًا ومحاولًا تطوير ذاته وتحسين أوضاعه، يملؤه التفاؤل ويصاحبه الأمل مع كل فجر يوم جديد، أيهما أضيق صدرًا وأشدهما همًا؟
وبما أن التمييز بين القناعة والطموح قد يدخل حيز الاشتباه؛ فسأذكر أهم فرق بينهما كي لا تُفهم القناعة على أنها حالة استقرار، فالقناعة تعني أن يرضى الشخص بما يملك أو بما يحقق قليلًا كان أو كثيرًا، ثم يطمح ويبحث عن التحسين والتطوير محاولًا توظيف إمكاناته للحصول على الأفضل دائمًا، لا بالاستسلام مبكرًا مشيرًا بأصابع الاتهام لإحدى المدمرات الثلاثة وهي: اللوم والمقارنة والانتقاد.
فاللوم قد يستخدمه الشخص سلاحًا لتبرير فشله أو تعاسته، فرئيسه في العمل سبب عدم تطوره عمليًا، أو صديقه فلان سبب عدم نجاحه تجاريًا وهكذا. أما المقارنة، فإنها ظالمة لصاحبها، فبمقارنته أسوأ ما لديه بأفضل ما لدى غيره سيكون في دوامة مستمرة من الإحباط والفشل. وأخيرًا هناك كثرة الانتقادات، وهي صفة يمارسها شخص يكاد لا يعجبه العجب، فينتقد أسلوب موظف أو قائد حافلة أو ساعات عمل وهكذا، وكأنه لم يخلق على البسيطة غير هذا المنتقد!
وما يعرقل سير الأشخاص في سبيل تحقيق أهدافهم هو أنهم يبنون هذه الأهداف على أسس غير سامية وغير منطقية، لذا احرص على أن يكون أساس هدفك قويًا وساميًا مثل تطوير النفس والسعي للرقي بها إلى أعلى مراتب الإنجازات والنجاحات. فكن غنيًا لا لتكون مثل فلان، بل لتتغلب على ظروف الحياة القاسية. وكن قويًا جسديًا لا لتكون مثل ذلك الشخص الذي يملك جسمًا ذا عضلات بارزة وقوام رشيق، بل لتحافظ على صحتك وتتغلب على الأمراض التي قد تصيبك بسبب عدم ممارسة الرياضة. وأخيرًا، كن موظفًا مثاليًا لا للحصول على الثناء من أحد أو كسب ود أحد، بل لتطور مهاراتك العملية وتسهم في دعم المنشأة التي تعمل لديها ودعم مجتمعك ووطنك.
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.