«عندما تشعر أن المكان ليس لك..لا تحارب!» مررت بهذه العبارة ولم أستطع تجاوزها، بقيتُ عالقةً أتساءل: لِم نهدر أيامنا ونحن نحارب في أرضٍ لا ننتمي إليها؟
يحدث كثيرًا أن نبقى عالقين، أسيري ما لا نُحب وما لا نستطيب، ننسى أو نتناسى حقيقة أن هذه الحياة تزخر بفرص لابد من استغلالها، والبعض منها ثمينٌ لا يمكن تكراره، وأننا أيضًا، بمرور هذه الأيام، بسكونها وهبوبها وجميع فصولها، ودون أن نُبالي بها أو نكترثُ لها، فنحن نهدر سنوات عُمرنا. نعم، عُمرنا الذي يمرُّ ويضيعُ ونحنُ لا نزال عالقين، واقفين حيث بدأنا.
حين أنهيت دراستي للمرحلة الثانوية بامتياز، وكنت أدرسُ المسار العلمي، رأى الجميع من حولي بمن فيهم معلماتي ومديرتي أني من المفترض أن أستكمل دراستي الجامعية في تخصصٍ كالطبِّ أو الهندسة مثلًا، ولكنّي لم أشعر قط بأنني سأجد نفسي في تلك التخصصات، أو أنني أستطيع أن أبرع فيها أو أُقدّم أكثر مما قد يُقدمه كل دارسٍ لها.
قررت أن أدرس الصحافة في كلية الاتصال والإعلام، وفي تلك الأثناء لم يكن بالكلية سوى تخصصين اثنين وهما: الصحافة والعلاقات العامة، وكان معدل القبول في قسم الصحافة أقل من نظيره العلاقات العامة؛ وذلك لتشجيع الطالبات على اختيار الصحافة والتخفيف من إقبالهن الكبير على دراسة العلاقات العامة. وبالرغم من تحقيقي معدلًا مرتفعًا، بحسب قانون الجامعة، خلال السنة الأولى التحضيرية، فلقد عزمت أمري، وعقدت النية واتجهت للتسجيل بقسم الصحافة.
أذكر يومها حين دخلت على مشرفة التسجيل، وأخبرتني دون أن تسمع مني: «قفلنا التسجيل بالعلاقات العامة.. تعالي أول التيرم»، وفي هذا دليل واضح على كثرة رغبات الالتحاق به، ولكني فاجأتها لأقول أني أودُّ أن أدرس الصحافة، وهذا ما دعاها لأن تُسجّلني بالقسم على الفور..وكأنّها خافت أن أتراجع في كلامي أو أغير رأيي.
ما سبق ليس إلا مثالًا وليس حصرًا أو حالة دائمة لأننا نواجه هذا الأمر في كثير من الجوانب الحياتية والمواقف المختلفة، ولكنَّ الشاهد من هذا الموقف، هي حاجتنا لتغيير النظرات التعميمية والنمطية التي نحملها تجاه الأمور والأشياء، كأن نربط التخصصات الدراسية بمعدلاتنا التراكمية، أن نختار ما يليق بالرقم الذي نحققه آخر السنة ونغفل عن جانبٍ مهمٍ جدًا، وهو ما الذي نحب، وما الذي نجد أنفسنا فيه!
نحن لسنا مطالبين بأن نكون في الصورة التي يرى الآخرون أنها الأفضل لنا، بل علينا أن نكون في نطاق البقعة التي نشعر أننا ننتمي إليها، وأننا قادرون على العطاء بسخاءٍ فيها؛ فالفرد منا كالزهرة، لا تنبت وتتفتح إلا إن زُرِعت في تربةٍ جيدة ملائمة لها، ونحنُ بحاجة لأن نُزهر وأن نحيا ربيع أيامنا قبل فوات الأوان.
ختامًا، تأمَّل وفكر مع نفسك، هل هذا هو ما ترجوه من دنياك؟ هل هذا هو المكان الذي طالما طمحت للوصول إليه؟ فإن أجبت بـ(نعم) فهنيئًا لك، وإن أجبت بـ(لا)، فلا تقلق! فأمامك متسعٌ من الوقت لتنهض وتختار لنفسك أين تُزهر.
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها. cw@exchange.aramco.com.sa