لا يستطيع الإنسان أن يحيا دون الآخرين وإلا لأصابه الملل وربما الجنون. والعلاقات الاجتماعية ضرورة حياة، لكنها قد تتحول إلى عبء ومصدر إعاقة وتعطيل عن مسار حياتنا.
لا أشك في أن الكثيرين متعبون من بعض العلاقات الاجتماعية «المسمومة»، ويجدون أنفسهم قد تورطوا في علاقات مجهدة نفسيًا. من السهل على أحدنا الانزلاق داخل علاقات تؤدي إلى استهلاك طاقته وحرفه بعيدًا عن أهدافه ومسارات حياته، كما أنه من الصعب بداية تحديد الأشخاص الذين قد يشكلون مصدرًا لتلك المتاعب قبل الانخراط معهم في علاقة ما، وقد يكون الأمر قد تأخر بعد اكتشاف ذلك مما يجعل التخلص منها شديد الصعوبة. لكن من المهم أن نوضح هنا بعض تلك الصفات التي قد تجذب إليها ذوي الطباع السامة والنرجسيين تحديدًا.
يرجع بعض الباحثين النفسيين تورط البعض أكثر من غيرهم في تلك العلاقات إلى أنهم يتميزون بصفات ذات جاذبية لمن لديهم طباع قد تندرج تحت الحالات النرجسية النفسية الشائعة اجتماعيًا. صفات جاذبة تندرج ضمن شخصية «الضحية» في غفلة منه وكأنه يرسل دون أن يشعر نغمة يستطيع الآخر فهمها بأنه يمكن للنرجسي إساءة استخدام العلاقة معه. صفات يستطيع النرجسي تحديدها ثم التغلغل عن طريقها إلى ذات الشخص المقابل.
ينبع ذكاء الشخص النرجسي من تركيزه الشديد على جانب واحد فقط، وهو كيف يُعلي من شأن نفسه، بينما ينهمك الآخرون الطبيعيون في صنع توازن بينهم وبين البيئة البشرية الاجتماعية المحيطة. أحد أهم الطرق التي تشكل عامل جذب للنرجسي وعلاقاته المرهقة عائد إلى أن الضحية، ولأسباب ربما تعود لتنشئة خاطئة في الطفولة، كان فيها مُستقبِلًا سلبيًا لكثير من التعاملات غير المنصفة، فتتحول تلك التنشئة في الكبر وكأنها حالة طبيعية يمكن لشخص ما أن يمارسها عليه دون ردة فعل ملائمة. وفي الواقع فإن النرجسي يستطيع التقاط تلك الخصيصة ويستثمرها لاعتلاله.
هناك سبب رئيس آخر تتصف به الضحية وهو أنها تحسن الإصغاء. ولأن المصغين جيدًا، غالبًا هم أناس يريدون دعم الآخر والإسهام في حل مشكلته، تجدهم يمتصون بطيب نفس حالة الهذيان المتواصل عن الذات التي يمارسها النرجسي. ترتبط عادة بهذه الخصيصة خصيصة زهد الضحية في الدخول في الجدالات والتغاضي أحيانًا عما قد يسبب له ألمًا لمجرد أنه يكره المواجهة أو الحديث عما لا يحبه من الآخرين.
يبقى أن نتحدث عما يمكن فعله إزاء هذه المسألة. يمكن ملاحظة تورطنا باكرًا في العلاقات المسمومة، غير أننا كضحايا نكون في حالة الإصغاء والمجاملة الأولى مما يؤدي إلى التغاضي عن الملاحظة، وبالتالي تعمُّق العلاقة وصعوبة الخروج منها. يجب عليك النزول في المحطة الأولى إذا ركبت القطار الخاطئ كي تقلل خسائرك.
من البداية يتوجب أن نكون طيبين لكن أقوياء أيضًا، أن نعطي لكن ليس على حساب أنفسنا. إن محاولة تسوية شؤون ماضينا المعيقة تدفع به بحيث لا يتحول إلى مبعث لضعفنا في حاضرنا، بل إذا كان ممكنًا فيجب النظر إلى الحاضر كما لو كان لا علاقة لها بماضينا المربك.
لنتعلم قول (لا) عندما نرى ذلك الاستغلال! قد يكون ذلك صعبًا في البداية، لكن علينا المحاولة من أجل استرجاع ما فقدنا حتى تلك اللحظة من شخصياتنا. يجب الحذر ورفع «الراية الحمراء» عند الضرورة، وعندما نكتشف ذلك فعلينا أن نضع حدًا لهذه العلاقة المسمومة حتى لا يؤثر ذلك على صحتنا الذهنية.
عبدالله الوصالي، كاتب وروائي سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
