يُعرف الاقتصاد بمفهومه العام على أنه دراسة كيفية استخدام المجتمع لموارده النادرة، وهذا يشمل جميع أشكال السلع والخدمات والمال. وفيما بيننا، يسود الاعتقاد أن الوقت هو أغلى ما نملك من موارد وأندرها على الإطلاق! والحقيقة أن أغلى الموارد التي نمتلكها هو «الانتباه». فالانتباه هو أحد العمليات الإدراكية التي تعكس مدى القدرة على تركيز شعورنا نحو محفزٍ مثيرٍ من حولنا، حسيًا كان أم معنويًا.
لذلك، إن غزارة إنتاج الفرد لا تتعلق بكفاءة إدارته للوقت، فهناك عدد محدود من الساعات خلال اليوم الواحد وهو نفسه عند الجميع، فلا قدرة لأحد على تغيير هذه الحقيقة. ولذا، فالتركيز على إدارة الوقت يجعلنا أكثر وعيًا ودرايةً بعدد تلك الساعات التي نهدرها.
في عام ١٩٩٤م، استخدم عالِم النفس والاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، هيربرت سايمون، في بحثه، مصطلح «اقتصاد الانتباه» للمرة الأولى في الأوساط العلمية والتجارية على حدٍ سواء، وافترض سايمون حينها أن الانتباه هو «عنق الزجاجة للفكر البشري»، الذي يتحدد عن طريقه ما يمكننا إدراكه في البيئات المحفزة وما يمكننا القيام به.
ويمكن اعتبار هذه المفاهيم الأولية هي الشرارة التي انطلقت منها مبادئ ونظريات وتطبيقات اقتصاد الانتباه، وقامت الثورة المعلوماتية التي نعيشها اليوم بدور الركيزة والداعم الذي تقوم عليه تطبيقات هذا المبدأ الاقتصادي المهم. فهذا الاقتصاد صار يعتمد على عدد كبير، وآخذ في الازدياد، من الأشخاص الذين لا يدخلون بشكل مباشر في عمليات الإنتاج، ونقل وتوزيع السلع المادية أو الملموسة وبدلًا من ذلك يتكسبون رزقهم من خلال إدارة المعلومات والتعامل معها بشكلٍ ما.
ومن هنا يمكننا الربط بين كميّة المعلومات التي تسعى الشركات بمختلف مجالاتها إلى جمعها عن كل ما يدور في البيئة التي تعمل وتؤثر فيها، ومن ثم التعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات لبناء القدرة لجذب انتباه أكبر عدد ممكن من الفئة المستهدفة. ويندرج تحت عملية جمع المعلومات كل البيانات ابتداءً من البسيطة، كاسم الشخص وعنوانه، حتى المعلومات الخاصة، كتتبع حركة الأفراد ورصد الموقع الجغرافي، ومن ثم تكوين الارتباط الإحصائي بين مختلف المعلومات لإيجاد القدرة على تحفيز الانتباه وتحريكه باتجاه ما تريده هي، لا ما نختاره.
وفي العام الميلادي الجديد، ستكون الفرصة سانحة أمامنا لبداية جديدة وجديّة نتذكر فيها أن كل شيء نوليه جزءًا من انتباهنا من الأمور هو مهم، ولكن الأكثر أهمية من هذا هو نوع الانتباه الذي نوليه إليها. وهنا أشير إلى خيارٍ آخر، لربما كان بديلًا أفضل من إدارة الوقت والمهام، وهو «إدارة الانتباه»، وتشتمل هذه المهارة على إعطاء الأولوية للأشخاص والمشاريع المهمة.
وبمعنى آخر، إدارة الانتباه هي فن التركيز على إنجاز الأشياء للأسباب الصحيحة، في الأماكن المناسبة، وفي اللحظات المناسبة لها. ومن الناحية الاقتصادية، علينا توخي الحذر وتحاشي تصنيف «الانتباه» على أنه سلعة دارجة، فنبيعها بثمنٍ بخسٍ، بل هي أثمن منتج مميّز نمتلكه لنتمكن من تحقيق أهدافنا وتطلعاتنا.
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.