سُئل أديبنا محمد العلي مرَّة عن الجوائز الأدبية، فأجاب بأنها ذات «قيمة اجتماعية.. تُمنح أحيانًا لمن لا يستحقها»؛ بهذا التوازن يصف العلي واقع الجوائز الأدبية، فهي من جهة تهب للأديب وسامًا اجتماعيًا يُعيد له الاعتبار والقيمة ويسلِّط أضواء القرَّاء على أدبه، ومن جهة أخرى قد تذهب وسامًا لأدب لا يستحق، وهذه إحدى الجنايات التي تجعل بعض الأدباء ينقم على هذه الجوائز ويقاطعها.
الاستحقاق عادة قائم على الإخلاص للإبداع وليس لاعتبارات أخرى لا علاقة لها بالإبداع من قريب أو بعيد، وأشد ما يوجعك أن ترى تنافسًا حيًا بين مجموعة من الشعراء، ليذهب الوسام إلى شاعر لا يستحقُّه إبداعيًّا، ولكنَّ رقمه الاجتماعي أو الاقتصادي في وسطه يفوق الآخرين.
ولنا أن نتساءل: هل الإبداع قابل لمعيارية التنافس؟
في تصوُّري أنه لا يوجد للإبداع معايير محدَّدة، فالشعر مثلًا استجابة لخلجات النفس، وهمسات الإحساس، وهذه الخلجات والهمسات لا يمكن وضع مقياس خارجي لمعرفة مداها، وإعطائها قيمة معيَّنة، قابلة للمفاضلة النهائية مع تدفُّقات وجدانية أخرى تختلف عنها، فما الذي يجعلك تختار هذه القصيدة دون تلك، وهما على مستوى فني عالٍ؟!
الإبداع هو ما يُشعِر المتلقِّي بالمتعة الجمالية، ويفعل فيه فعل السحر، وهذه المتعة تختلف درجاتها «اللامحسوسة» بين المتلقِّين، لذا من الصعب جدًّا اعتماد حكم معين بين إبداع وآخر، فالمعايير بشكل عام لا تستطيع رصد الأمواج جميعها وهي تتحرَّر من قضبان البحر، وبالتالي لا يحق لها الحكم بأن هذه الموجة أفضل من تلك، حتى لو كان ذلك على نطاق زماني أو مكاني محدَّد.
هذا هو الإبداع، سفرٌ دائم ودربٌ يطول، والمعيار من ثغراته الثبات والحسم، ومن هنا تواجه الجوائز الأدبية سؤالًا صعبًا، وهو كيف يستوعب الثابت روحًا لا تعرف القرار والانطفاء؟!
في الإبداع، قد تجد تمرُّدًا على معايير معينة، ومع ذلك يسحرك العمل، وقد تجد أيضًا في موضع آخر التزامًا بمعايير معيَّنة ومع ذلك تشعر بالسحر.
إذن ما قيمة المعيار؟ وكيف تفاوت دوره في هذه النظرة؟
على المعايير أن تلحق بالإبداع، بوصفه فضاءً يتَّسع كلَّ لحظة، فتتسع باتساعه!
أضف إلى ذلك أن ثقافة المبدع ووعيه تخلق له توجُّهًا معيّنًا في تدفُّق النَص، وهنا يواجه النَص في الطرف المقابل تلك المعايير التي تطبِّقها لجنة من المُحكِّمين الذين لهم توجُّهاتهم، وقد تُطلق اللجنة أحكامًا خارجة عن النص، وليست من داخله.
الجوائز تمثِّل حافزًا للكتابة الأدبية، وليست معيارًا لها، والتنافس قد يناسب الأشياء التي لها بداية ونهاية، يحكمها ميدان واحد وزمن محدَّد، كسباق الخيول بمعايير محدَّدة سلفًا.
وعلى كثرة الجوائز في الوطن العربي، بما لها من خدمات جليلة، إلا أنَّ معظمها دمَّر الساحة الأدبية، وبنظرة عابرة على بعض الأعمال الفائزة تدرك هذا التدمير الذي تمارسه «مكينة المسابقات» لأغراض بعيدة عن الإبداع الأدبي.
حسن الربيح، كاتب وشاعر سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.