تفتخر كل أمة من الأمم بثقافتها وحضارتها، بكل مكونات تلك الحضارة من عناصر مادية وغير مادية. ويحدث أحيانًا أن يميل جيل الشباب في كل أمة إلى التأثر بثقافات أخرى مهيمنة بسطوتها وحضورها الإعلامي، فبات من المألوف أن ترى فتيانًا وفتيات متأثرين ببعض مظاهر الثقافة المنتمية إلى مختلف الحضارات والبلدان في مشارق الأرض ومغاربها. غير أن الملفت للنظر والمبهج في الآونة الأخيرة رؤية أعداد كبيرة وشرائح واسعة من الشباب الذين ينظرون إلى الثقافة السعودية بوصفها مدعاةً للعز والافتخار، ولِم لا وهي الثقافة العريقة، ذات التاريخ المُشرِّف، القائم على الفضائل السامية والقيم العالية.
ويُشار في هذا السياق إلى أن هذه الثقافة تتسم بالتنوع وتملك ما يميزها في كل من عناصر الحضارة الأربعة: الاقنصاد، والسياسة، والمجتمع، والعلوم والفنون. فتتميَّز المملكة بنظام سياسي ذي رؤية شموليَّة ونظرة حكيمة، يُولي شعبه الأولوية القصوى، كما تنعم باقتصادها المُستقر، الذي وبالرغم من التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي والصعوبات التي ازدادت بعد الجائحة، إلا أنه أثبت مرونته من خلال نموّه وزيادة تنوع مصادره، فضلًا عن النظام الاجتماعي المتماسك الذي تقوده القيم الإنسانية والإسلامية والعربية.
كما أن المملكة تتمتع ببعد ثقافي مادي يوازي ما تتمتع به حضارات ضاربة في القِدم، إذ تضم أكثر من ٦ مواقع أثرية وتراثية مسجلة في قائمة التراث العالمي لليونيسكو كمدائن صالح في العلا وواحة الأحساء ومنطقة جدة التاريخية، وغيرها من الأماكن التي تشهد على عمق هذه الحضارة وجذورها التي تمتد لعصور سابقة، لِتصبح تلك المعالم، اليوم، وجهةً يقصدها السيَّاح من أنحاء العالم.
وتزخر الثقافة السعودية بموروث ثقافي وفني متنوع لا ينفي وحدتها بل يعززها، كما يعكس التنوع الجغرافي للمملكة، فالرقصات الشعبية كالخطوة الجنوبية تختلف عن الدَّحة والعرضة، إلا أن الرقصات جميعها تشترك بتماثل المعنى، فهي تبرز شجاعة السعودي الكريم وتُعبّر عن قوته في السلم والحرب، كما أن القصص والأهازيج قد تتنوّع تفاصيلها في كل منطقة إلا أنها تتَّحد عند الصور والمعاني والمشاعر التي تعكسها.
ومما أثلج صدري وأكَّد قوة حضور الثقافة السعودية في حاضر شبابها رؤيةُ موروثنا الشعبي وهو يتربع على قائمة «الترِند» في يوم التأسيس السعودي (٢٢ فبراير ٢٠٢٢م)، الذي يحتفي بمرور أكثر من ثلاثة قرون على تأسيس الدولة السعودية بقيادة الإمام محمد بن سعود، إذ رأينا الفتيات والنسوة يزهون بالبراقع والحناء والكحل الأسود والعباءات التقليدية والإكسسوارات ذات الطابع التراثي. وكذلك الشباب الذين تنوعت أزياؤهم بين الثوب والبشت والعقال المقصب والشماغ وغيره، ليرسموا لوحةً فنية غنية بالألوان. كما احتفت كل منطقة بإرثها والحِرف التي تناقلتها الأجيال، لتُشكّل حاضر المملكة وحضارتها.
ولكن في نهاية المطاف، ينبغي التأكيد على أن اهتمامنا بالمظهر السعودي الأصيل لا يعني التخلي عن البذور من أجل القشور أو الانشغال بالمظهر عن الجوهر؛ فأصالتنا ليست مقصورة في برقع وعقال؛ فموروثنا الأعمق والأعرق يتجلى في أبهى صوره في نُبل الأجداد، ومروءة الأسلاف وآداب «وأغضُّ طرفي ما بدت لي جارتي»، وأخلاق «أجدادنا الذين يحمون الديار، ويذودون عن الذمار، ويسرعون لنجدة الجار».
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها. cw@exchange.aramco.com.sa