لا يكتفي الأكاديمي روب براذرتون في كتابه "عقول متشككة" بتحليل ما يمكن تسميته بالعقول الارتيابية التي تفسر الأمور التي تحدث من حولها تأسيسًا على قاعدة من الشك الكامل يصل إلى الاعتقاد أن ثمة تآمرًا مُحكمًا عليها، لكنه يقدم أيضًا تأصيلًا معرفيًا وعلميًا يشمل كافة عناصر موضوعه. والكتاب يُعد بهذا المعنى دليلًا متكاملًا لفلسفة وتاريخ وعلم نفس ونتائج التفكير المستند على المؤامرة باعتباره حاضرًا في أذهان عدد معتبر من البشر على اختلاف توجهاتهم وذلك على المستوى الفردي وكذلك على النطاق الجماعي الذي قد يمتد ليشمل مجتمعات بأكملها.
ويناقش الكاتب الذي حصل على درجة الدكتوراه عن أطروحته حول علم نفس نظريات المؤامرة من خلال 11 فصلًا عددًا من المحاور في معالجته للظاهرة منها معنى نظرية المؤامرة والضرر المترتب عليها والعقلية المؤامراتية وجنون الارتياب والروايات الرسمية التي قد تصدر بخصوص وجود المؤامرات التي تجعلنا نصدق كل ما يقال عنها.
ويؤكد براذرتون على أن المشكلة الأساس، التي قد تزيد هذا التصور بقدرة المؤامرة على تحريك الأحداث ومجريات الأمور رسوخًا، هي أن البشر أنفسهم يميلون إلى تصديق أن ثمة متربص متآمر عليهم يحيك لهم خططًا تآمرية تتفاوت درجاتها بحسب أهدافها، فكل شيء إذن هو مؤامرة، وهكذا تمتد نظرية المؤامرة لتصل إلى الهواء الذي نتنفسه والطعام الذي نأكله والدواء الذي نتناوله والماء الذي نشربه. يكتب: "هناك عدد أكبر من منظري المؤامرة مما قد نتوقعه" ويضيف موجهًا خطابه لقارئه: "ومن المحتمل أنك تعرف البعض، وهناك احتمال أنك واحد منهم".
ويعود السبب في سيادة هذا النمط من التفكير بشأن ما يحدث في العالم إلى نقص المعلومات أو تضاربها أو حتى إلى الصدفة، وهو تفكير عالمي كما توضح استطلاعات الرأي التي يعرض الكتاب بعض نتائجها. لكن هل يعني ذلك أن المؤامرة مجرد وهم وأن لا وجود لها في سجلات التاريخ؟ لا ينكر الكاتب ذلك ولا يؤيده رغم نقله في سياق بحثه عددًا متنوعًا من الأمثلة عليها فهو يؤكد على أن كتابه ليس معنيًا بتأكيد وجود المؤامرة أو نفيها، ولو كان القارئ يتوقع ذلك منه فإنه سيكون بصدد الكتاب الخطأ لأن هذا العمل البحثي يهدف بشكل رئيس إلى فهم وتفسير الأسس النفسية التي تقف وراء كل وجهات النظر التي تتعامل مع العالم باعتباره مؤامرة.
العنوان: عقول متشككة، لماذا نصدق نظريات المؤامرة؟
تأليف: روب براذرتون
ترجمة: هاني فتحي سليمان
الناشر: هنداوي
عام النشر: 2021م
عدد الصفحات: 215 صفحة
ردمك: 9781527323513