كانت العلا عاصمة الحضارتين اللحيانية والدادانية القديمتين، كما أنها تضم الحِجر، أو مدائن صالح، وهو أول موقع تراثي في المملكة يُدرَج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وقد بناه الأنباط قبل أكثر من ألفي عام ليبقى لنا اليوم تحفةً أثرية بواجهات صخرية منحوتة.
وتزخر العلا بكنوز تاريخية تعود لحضارات قديمة، فتأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن حين يتأمل نقوشها التراثية التي نُقشت بمختلف اللغات القديمة، كاليونانية واللاتينية والنبطية واللحيانية والدادانية. وكما تشهد العلا على الأهمية التاريخية لشبه الجزيرة العربية، فإنها تضم بين جنباتها معالم طبيعية ساحرة وتكوينات صخرية فريدة، مثل جبل الفيل، مما يجعلها مقصدًا سياحيًا يَعد بالكثير لزائريه.
العودة إلى جذور التاريخ
من أبرز معالم الجذب التاريخية في العلا مدائن صالح، التي تكتسب أهمية خاصة نظرًا لذكرها في القرآن الكريم، حيث يُعتقد أنها المشار إليها باسم (الحِجر).
وتشتمل هذه المنطقة على مقبرة نبطية تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وتضم قبورًا ضخمة بأسطح مزخرفة. كما يحتوي الموقع على 50 نقشًا من الفترة التي سبقت الحقبة النبطية، وبعض الرسومات والنقوش داخل الكهوف.
ويشهد المكان بالأصالة المعمارية للأنباط، الذين حكموا المنطقة قبل ألفي عام، حتى الغزو الروماني لشمال الجزيرة العربية. بعدها، سُلِّمت مدائن صالح إلى الرومان، كما ورد في النقوش اللاتينية التي حفظت تراث الحضارتين والثقافتين.
ويُعتبر جبل أثلب من مناطق الجذب في مدائن صالح، حيث كانت تُقام فيه الطقوس الدينية للأنباط. ويشتهر الجبل بالمعابد والمحاريب المنحوتة، وفيه الديوان (الغرفة) الذي بُني داخل الجبل، ويُعتقد أن الأنباط استخدموه لعقد الاجتماعات السياسية.
محطةٌ للقطارات.. وطريقٌ للقوافل
من جانب آخر، يوجد في مدينة العلا محطة لسكة حديد الحجاز التي بُنيت في عام 1908م. وقد قصفت قاذفات بريطانية هذه المحطة إبان الحرب العالمية الأولى، لكنها بقيت صامدةً بعد ذلك لتتحول لاحقًا إلى متحف. وقد توقفت المحطة عن العمل تمامًا في عام 1920م.
وكانت مدينة دادان القديمة في العلا عاصمة للحضارتين الدادانية واللحيانية، ومركزًا تجاريًا رئيسًا يضم طريقًا لقوافل البخور والتوابل والبضائع المختلفة. وكانت المدينة إحدى أكثر المدن تطورًا في شمال الجزيرة العربية، حيث بُنيت قبل ما يقارب ثلاثة آلاف عام. وكانت المملكة الدادانية مملكة عربية قوية ومنظمة للغاية، ولعبت دورًا ثقافيًا واقتصاديًا حيويًا في المنطقة. وكان قاطنوها يتحدثون اللغة الدادانية، وما زالت نقوشها موجودة حتى يومنا هذا على جبل عكمة.
كنوزٌ تراثية
أما جبل عكمة فقد وُصف بأنه مكتبة ضخمة في الهواء الطلق، حيث يحتوي على مئات النقوش والكتابات على منحدراته وواجهاته الصخرية، التي يرجع تاريخها بشكل رئيس إلى الحقبتين الدادانية واللحيانية، والتي تصف الحياة السياسية والدينية فيهما.
وتضم المدينة القديمة في العلا حوالي 900 منزل طيني، و400 متجر، وخمس ساحات عامة، ولا تزال تحتوي على بقايا بعض المباني الحجرية الأصلية والطينية المبنية هناك. وفي القرن العشرين، بُني مركز المدينة الجديد بجانب المدينة القديمة. وفي نهاية المطاف غادر السكان المباني القديمة، ويُعتقد أن آخر عائلة غادرت المدينة القديمة في عام 1983م، بينما أقيمت آخر صلاة في المسجد القديم عام 1985م. وتقع الآن أطلال المدينة التي تعود إلى القرون الوسطى وموقع الآثار اللحيانية ضمن حدود المدينة الحديثة.