رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية..(8)
الغاز : الحدّ من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري جزء أصيل من فلسفة أعمالنا لعقود من الزمن
هذه القصة، التي تُنشر في عدة أجزاء، تسلِّط الضوء على ما وراء الستار في رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية، بدءًا من المكامن وحتى نهاية الرحلة.
إذا جاز لنا أن نشبّه المواد الهيدروكربونية بالأسرة، فإن الغاز الطبيعي هو أكثر أفرادها صعوبة في التعامل معه والسيطرة عليه؛ فهو عنصر حرّ الحركة، وإذا لم تتوفر الخبرة في استخلاصه داخل الأنابيب، فإنه سيطفو في الهواء لخفة وزنه، كما أنه شفاف مما يجعل رؤيته صعبة.
الغاز المصاحب وغير المصاحب
عندما يشق نفط أرامكو السعودية الخام طريقه في رحلته من الحقل، يُرسل الغاز المصاحب له، الذي يُفصل عن النفط في معامل فرز الغاز من الزيت وفي مرافق التركيز، إلى معامل الغاز.
ويوجد الغاز غير المصاحب أيضًا مستقلًا عن النفط، ويتم إرساله إلى معامل الغاز للتحلية والتجزئة. فضلًا عن ذلك، فإن من طبيعة الغاز الاختباءَ في زوايا ضيقة، الأمر الذي يتطلب أساليب غير تقليدية لحثه على الخروج إلى السطح.
أحد مكونات التحول في قطاع الطاقة
يتكون الغاز في صميم تركيبته من الميثان، وهو هيدروكربون بسيط يتكون من جزيء واحد من الكربون وأربعة جزيئات هيدروجينية، ويُعد أحد المكونات المهمة في مزيج الطاقة عند الحديث عن التحول في قطاع الطاقة العالمي؛ فالغاز قادر على لعب دور مهم عندما تعجز مصادر الطاقة المتقطعة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية عن تغطية الطلب.
الواقع أن شبكة تجميع الغاز في أرامكو السعودية تتمتع بموقع إستراتيجي بالقرب من حقولها، الأمر الذي يقلل من تكاليف النقل، وتكاليف ضغط خطوط الأنابيب، والوقت اللازم لتسليم منتجات الغاز إلى السوق.
غاز مبرد تبريدًا عاليًا
عندما يصل الغاز المر إلى أحد معامل المعالجة التسعة التابعة للشركة، في كلٍّ من البري، وشدقم، والعثمانية، والحوية، وحرض، والخرسانية، وواسط، ومدين، والفاضلي، يكون الهدف الكلي هو تنقية الغاز وتحليته، ومن ثم تبريده لإزالة الغازات الحمضية (كبريتيد الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون)، والماء، والمكثفات الهيدروكربونية.
يصبح الغاز المحلى جاهزًا للإرسال المباشر إلى سوق الطاقة، في حين يتم إرسال سوائل الغاز الطبيعي التي فُصلت عنه لمرحلة المعالجة التالية في معمل سوائل الغاز الطبيعي حيث يتم تجزئتها إلى الإيثان، والبروبان، والبيوتان، والإيزوبوتان، والبنتان.
محطة وحدات الغاز
عندما بدأ تشغيل شبكة الغاز الرئيسة في عام 1975م، أنشأت أرامكو السعودية معامل الغاز في البري وشدقم والعثمانية. ومعمل شدقم أشبه ما يكون بالمحطة المركزية لشبكة قطارات الأنفاق في مدى كثافة وضغط العمل فيها، إلا أنه مكان هادئ بشكل عام.ويشق الغاز طريقه في صمت، من خلال شبكة من خطوط الأنابيب تحت الأرض، من الحقول الجنوبية إلى معمل شدقم حيث يصبح جاهزًا للربط التالي المباشر بسوق الطاقة المحلي، أو بمعملي سوائل الغاز الطبيعي في الجعيمة وينبع.
ويستقبل معمل شدقم، الذي يبلغ من العمر41 عامًا، أجزاءً متساوية من الغاز المصاحب وغير المصاحب، موائمًا بين الأساليب القديمة والابتكار للوصول إلى المعالجة المثلى للغاز.
استهلاك الطاقة من أولويات معمل شدقم
لا تظهر الآثار الكبرى لإجراءات الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلا بعد أن تبدي المصانع كفاءة في استخدام الطاقة. ولفصل سوائل الغاز الطبيعي عن غاز الميثان الخفيف، يتم تبريدها إلى 71 درجة مئوية تحت الصفر.
وقد يؤدي ترك الرطوبة في الغاز إلى حدوث التبلور، أو ما يُسمى بتكوّن الهيدرات، الذي يؤدي بدوره إلى مخاطر انسداد الأنابيب. وإزالة الرطوبة هي وظيفة نظام المجفف، ولكن لتوفير الطاقة، قرر معمل شدقم القيام بذلك بشكل مختلف؛ فقد استخدم المعمل مادة مجففة مكونة من حبيبات دقيقة تجف فور تشبعها بالرطوبة، ويتم ذلك في دورة تكرارية مغلقة الدائرة لامتصاص الرطوبة.
وبدلًا من استخدام الضواغط لضغط الغاز كالمعتاد من 350 رطلًا /بوصة مربعة إلى 450 رطلًا / بوصة مربعة، يتم تخطي الضواغط، وتجفيف المادة الحبيبية بدلًا من ذلك عند ضغط 350 رطلًا / بوصة مربعة من خلال عملية مؤتمتة لضغط الغاز وإزالة ضغطه في أعمدة التجفيف. وهي طريقة تحقق النتيجة نفسها، ولكن من دون الحاجة إلى الضغط.
يقول رئيس المشغلين عيد الهاجري: "إن إيقاف الضواغط كان يعني خفض استهلاك الطاقة، وخفض حمل الطاقة يعني خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري".
مكافحة حرق الغاز في الشعلات
تُعد أنظمة استخلاص غاز الشعلات أحدَ المكونات المهمة في البنية التحتية لمنظومة الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهي عبارة عن أنظمة ضغط متخصصة تستخلص الغاز وتعيد استخدامه، بدلًا من حرقه في الشعلات كما كان يحدث في السابق.
ويقول الهاجري إن البنية التحتية لاستخلاص غاز الشعلات في شدقم هي إحدى الأنظمة الكبرى في الشركة، "فبدلًا من حرق الغاز في الشعلات يتم إعادته إلى مرفق الإنتاج لإنتاجه بصورة أخرى".
يُنقل الغاز من شبكات الشعلات في شدقم إلى واحدة من ثلاث أسطوانات تحتوي على سائل عازل، والسائل العازل المستخدم لاستخلاص الغاز في هذا النظام هو الماء، ثم باستخدام وحدتي ضغط اثنتين يتم إعادة توجيه الغاز مرة أخرى إلى معمل المعالجة الرئيسة.
يؤكد الهاجري، الذي عمل في شدقم لمدة 12 عامًا إن استخلاص الغاز المُهدر يعود بالنفع على البيئة، ويقول: "من منطلق اهتمام الناس بتغير المناخ، نضيف في هذا الصدد أن نظام معالجة الغاز مغلق الدائرة مفيد أيضًا للبيئة والسلامة".
وأرامكو السعودية هي إحدى الشركات الموقعة على مبادرة البنك الدولي "الوقف التام لحرق الغاز في الشعلات بحلول عام 2030"، التي تهدف لمنع الحرق الروتيني للغاز بحلول عام 2030، وتسعى خلال الفترة المقبلة إلى تطوير مجموعة أعمال عالمية متكاملة في قطاع الغاز، كما تعتزم الشركة - من خلال زيادة الإنتاج والاستثمار في بنية تحتية إضافية - التوسعَ في أعمال الغاز، بهدف تلبية الطلب المحلي الكبير المتزايد على الطاقة النظيفة منخفضة التكلفة.
تحرير الغاز قليل النفاذية
يُحدث الاقتصاد الدائري تحولًا كبيرًا في الأفق الشمالي للمملكة العربية السعودية. ومن المعروف أن الغاز غير التقليدي في شمال المملكة قليل النفاذية، وشديد التفلت، وليس من السهولة الوصول إليها.
وبدلًا من إنشاء مرفق معالجة مركزي واحد، توجد خمسة مرافق معالجة فرعية صغيرة متفرقة، تستخلص الغاز وتغطي مساحة تزيد عن 10,000 كيلومتر مربع من حقل شمال المملكة. وتصميمها ذو الوحدات المنفصلة يعني أنه يمكن فكها ونقلها لإعادة استخدامها بشكل مستمر.
ومن أصل 50 بئرًا تابعة لمرافق المعالجة الفرعية، هناك 11 بئرًا تعمل بألواح الطاقة الشمسية، حيث ينتقل الغاز من الآبار هناك، عبر الأنابيب غير المعدنية إلى مرافق المعالجة الفرعية ليتم تجفيفه وينتج وقودًا أنظف لتشغيل مدينة وعد الشمال الصناعية.
استخلاص الغاز واستخدامه
يعمل ضاغط غاز البيع على دفع الغاز إلى الأمام في رحلته في باطن الأرض وتحت رمال الصحراء إلى شبكة الغاز الرئيسة، وهي عبارة عن شبكة واسعة من خطوط الأنابيب التي تُجمّع الغاز الطبيعي المنتج في المملكة، لتوزيعه على شركات توليد الكهرباء محليًا، وغير ذلك من المستخدمين النهائيين.
إن استخلاص الغاز واستخدامه كمصدر للطاقة خفف إلى حد كبير من الانبعاثات الكربونية في أرامكو السعودية والمملكة بشكل عام.