في زمن بدايات الكتابة بالنسبة لي وجيلي ومن سبقه ومن تلاه إلى وقت قريب، لم تكن المنابر الإعلامية متاحة بسهولة. وكان ذكر اسم بعضنا في صحيفة إنجازًا يحتفى به من خلال الاحتفاظ بقصاصة الجريدة أو المجلة التي ذُكر فيها الاسم في أرشيف شخصي. أما الأمسيات الأدبية فلم تكن متاحة على الأغلب، إلا لمن أثبتوا حضورهم وجدارتهم، لتبدأ بعدها خطوات تشكيل الاسم الأدبي.
اليوم اختلف الحال، فظهرت مواقع التواصل، ثم أخذت بالتطور تدريجيًا، وصولًا إلى ما نحن عليه حاليًا؛ فقد استحدثت أساليب منبرية جديدة لتجميع الجمهور، وظهرت غرف الحوار كما في «كلوب هاوس» و»تويتر»، وصار أصحاب الهوايات من شعر وغناء وموسيقى وغيرها يلتقون في مكان واحد على الرغم من وجود كلٍّ منهم في موقع مختلف أو دولة أخرى قريبة أو بعيدة، وبات من السهل حضور أمسية أدبية مسموعة.
أما أصحاب الأفكار والآراء السياسية والاجتماعية والاقتصادية فلهم غرفهم الحوارية في تلك الفضاءات الافتراضية؛ الأمر الذي ينتهي بنا إلى احتمال تقلص المساحات المنبرية الحقيقية مقابل المساحات المنبرية الافتراضية، فحضور الفعاليات الافتراضية يتم من دون عناء التنقل، إذ يكفي هنا جهاز هاتف أو كومبيوتر وشبكة إنترنت.
وأتخيل أن المقبل في المساحات المنبرية الافتراضية هو الغرف المرئية، لنرى المشاركين يتحدثون بالصورة والصوت، وقد نشهد غرفًا من نوع مختلف تشمل المصورين الضوئيين وأصحاب هواية التمثيل وصناع السينما والدراما، وما إلى ذلك من أمور.
الأهم مما سبق، هي تلك المساحات المنبرية التي حصل عليها بعض من كان الوصول إلى المنابر التقليدية صعبًا عليهم. وعبر تجولي في بعض تلك الفضاءات الأدبية، اكتشفت أصواتًا جيدة، وقدرات تبشر بمستقبل أدبي لافت، مما يعني أن فرص الجمهور المتذوق أو الموهوب غدت كبيرة في الظهور الإعلامي، وإن كان ذلك عبر مواقع التواصل، تلك المواقع التي انكشفت من خلالها قدرات بعض النخب، سواء من الناحية المعرفية أو اللغوية وغيرهما، لتبدأ مرحلة تكوين نخب جديدة، أفرادها ممن لم تتح لهم المنابر التقليدية.
ومن الملاحظ أن المهارات والمواهب الحقيقية الموجودة لدى الجيل الجديد أثبتت أن الإبداع العربي متواصل، وأن من يمتلك الموهبة قادر على كسب الجمهور، وأن أصحاب الذائقة الإبداعية يهتمون بتنمية معارفهم ومداركهم بما يفيد.
بناء على ما سبق، بإمكان وسائل الإعلام والجهات الثقافية والفكرية أن ترسل كشافين، كما تفعل الأندية الرياضية، لاستقطاب أصحاب المواهب ممن لم تتح لهم فرص الظهور من قبل؛ فالفضاءات الجديدة أنتجت أسماء ونخبًا جديدة، وما على تلك الجهات إلا تقديم الجيل الجديد ومنحه الفرصة، فهو من يمتلك أدوات المستقبل ويفهم لغته.
مازن العليوي، كاتب وإعلامي سوري. زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية