ارتبط الخجل لغويًّا بمفردة الحياء، حين يتمُّ شرح معناه، ومن هذه الشروح ما قاله الزبيدي في تاج العروس :(خَجِلَ خَجَلًا: فَعل فعلًا استحيا منه.. الخجل: التحيُّر والدَّهَش.. خَجِل الرجل إذا بقي ساكتًا.. الخجل أخص من الحياء؛ فإنَّه لا يكون إلا بعد صدور أمر زائد، لا يريده القائم به، بخلاف الحياء، فإنه قد يكون لما لم يقع فيه، فيُترَك لأجله.. والخجل أن يلتبِس الأمر على الرجل، فلا يدري كيف المخرج منه؟!).
هذه خلاصة لغوية ربطت الخجل ربطًا ترادفيًّا مع الاستحياء، وربطَ اختلافٍ مع الحياء، وبالتأكيد فإنَّ الحياء والاستحياء بينهما اختلاف دقيق أيضًا من حيث الدلالة اللغوية، وليس هذا موضوعنا، ولكن لا بدَّ أن أشير إلى أنَّ الحياء صفة محبَّبة، وقيمة أخلاقية حميدة؛ لذلك عبَّرت عنه المعاجم اللغوية بالحِشمَة وانقباض النفس عن القبائح، بينما الخجل سلوك مرَضيٌّ غير محبَّب، ومن مظاهره (السكوت، والحيرة )كما مرَّ في اللغة.
أن يبقى المرء ساكتًا في المجالس ليس حالةً طبيعيَّة، وهو ما يعرف بخجل التحدُّث؛ أي عدم التعبير عن المشاعر وإبداء الرأي، وكذلك التباس الأمر على المرء وعدم معرفة المخرج منه، واستلاب الإرادة تجاه حدثٍ ما نتيجة الخجل الذي ينتابه.
هذه معانٍ رصدتها اللغة. ولكن لماذا تحدث هذه الأشياء؟ وكيف ينشأ الخجل؟ يولد الإنسان وتولد معه الحرية، ثم يتعرض لعدة مؤثرات، منها كثرة اللوم والتقريع، أو الشعور بعدم تقبل الآخرين له، أو ربما الاهتمام المفرط من قبل والديه حد زعزعة ثقته بنفسه. كل هذه المؤثرات الخارجية وغيرها تشكّل شخصيَّته؛ فهو حين يشرع في سلوك ما، فأول ما يعرقل حركة هذا السلوك داخله هو الشعور بالخوف والإحراج ممَّن حوله، الخوف الذي تكوَّن بسبب الردع والتوبيخ المفرط، أو الاستهزاء والتعيير، أو عدم اكتراثهم وتقديرهم بما يصنع.
هكذا يبدأ التفكير معه في كل سلوك، فيفضّل الصمت وعدم التفاعل، بل يتطور معه الأمر حد العزلة عن الآخرين، وبالتالي تضمر هذه الطاقة إلى أن تتعطل أسلاك التفاعل مع الآخرين، والأشد من ذلك أن يتعطَّل لديه التفاعل مع ذاته.
من هنا تتبيَّن لنا أسباب التردد والتوقف عن الأفعال والأقوال، حيث تفكيره مشغول بالردود السيئة التي يتوقعها من الآخرين؛ نتيجة تجارب سابقة، وعليه فهو بحاجة إلى تعزيز الثقة في النفس، وهذا لا يتأتَّى إلا من خلال برنامج علاجي مبكِّر، كأن نعوِّد الطفل الخجول مثلًا على التحدُّث أمام الآخرين في أكثر من موقف، وأن نثقِّفه بأن الخطأ الذي يخشى منه في كل ما يصدر منه لا يشكّل حرجًا إذا ظهر أمام الآخرين، هو خطأ لم يقصده ومن الممكن تصحيحه، ولا يستدعي كل هذه الحساسية، وأنَّ التوقعات السيئة لا تحدُّ من الانطلاقة.
البرنامج العلاجي لن يعطي مفعولًا سريعًا، إذ لا بدَّ من محاولات وتدريب وصبر حتى تتداعى جدران الخجل وتتهاوى حصونه.
حسن الربيح، كاتب وشاعر سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.