في حوار أجراه ضمن منتدى (إنيرجي إنتيليجينس)..
الناصر: نجاح التحوُّل في قطاع الطاقة رهنٌ بتطوير خطة مستقبلية تراعي كافة الأطراف
استضاف منتدى (إنيرجي إنتيليجينس)، الذي عُقد افتراضيًا في الرابع من شهر أكتوبر لعام 2021م، رئيس أرامكو السعودية، كبير إدارييها التنفيذيين، المهندس أمين حسن الناصر، حيث أجرى حوارًا مطوَّلًا من منطلق قيادته لشركة الطاقة والكيميائيات المتكاملة الرائدة على الصعيد العالمي، وأكبر جهة مصدرة للنفط الخام إلى الأسواق العالمية.
وخلال الحوار، الذي أجراه معه رئيس مجموعة (إنيرجي إنتيليجينس)، السيد أليكس شندلر، ناقش المهندس الناصر عددًا من الموضوعات المتنوعة ذات الصلة بشؤون الطاقة، ومن بينها احتمالية طروء عجز في إمدادات النفط العالمية نظرًا لانخفاض الاستثمار في القطاع، وإستراتيجية أرامكو السعودية للاستجابة للتحوُّل نحو الطاقة منخفضة الكربون. وفيما يلي، تنشر «القافلة الأسبوعية» ما جاء في ثنايا هذا الحوار.
- نشهد ارتفاعات حادة في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، وكذلك في آسيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويتساءل الناس بشأن ما يحدث. وبالنظر إلى أن أرامكو السعودية هي أكبر مصدر للنفط إلى كثير من هذه الأسواق، نأمل في أن تقدم لنا مرئياتك بشأن ما تعتقد أنه يؤدي إلى هذا الارتفاع في الأسعار. هل هذا الأمر مؤقتٌ ناشئٌ عن المضاربات في السوق؟
نحن نشهد نموًا في الطلب على النفط؛ وإذا ألقيت نظرة على تقرير الوكالة الدولية للطاقة، ترى أننا، فيما يخص الربع الثالث، ننظر إلى طلب بحجم 97 مليون برميل في اليوم. وبنهاية العام، فإننا ننظر إلى ما يقارب 99 مليون برميل في اليوم. أيضًا، إذا نظرت إلى توقعات الوكالة بالنسبة للربع الأخير من العام المقبل، ستجد أنها تقدِّر الطلب بما يزيد قليلًا على 100 مليون برميل في اليوم؛ وبالتالي هناك ارتفاعٌ في الطلب. ومع هذا الارتفاع في الطلب، نرى مشكلات مؤكدة تستمر على المدى القصير إلى المتوسط، مثل أسعار الطاقة والكهرباء في المملكة المتحدة وأوروبا، والعجز في إمدادات الغاز. وبالتأكيد، فإن لذلك تأثيرات على ما يحدث الآن. وهناك شيءٌ من التحوُّل شهدناه من الغاز إلى السوائل الهيدروكربونية على وجه التحديد. وفي أسواق معيَّنة في آسيا، سيسهم هذا التأثير في رفع الطلب على النفط بما يقترب من نصف مليون برميل، نظير الانتقال من الغاز إلى النفط. وما نراه هو أن الفائض في المخزون أصبح وراءنا الآن، بنقص يتجاوز %10 عن المعدَّل على مدى خمسة أعوام.
- هل سيكون هناك عجزٌ في السعة الاحتياطية للنفط في السوق؟ وهل ستكون هناك حاجة لمزيد من الإمدادات من قبل مجموعة (أوبك بلس)؟
سنترك هذا الأمر لمجموعة (أوبك بلس) لتتخذ قرارها حياله، وكذلك حيال نوعية الإمدادات التي ستدفع بها إلى السوق. نحن نتلقى أهدافنا شهريًا من وزارة الطاقة في المملكة بشأن الكميات التي ندفع بها إلى السوق، وبالتالي، فهي تجري مداولاتها الخاصة فيما يتصل بتقييم الأسواق، ومقدار الإمدادات التي يجب إضافتها.
- هل تعتقد أن انخفاض الاستثمار سيؤدي إلى عجز حتمي في إمدادات النفط، لا سيما بالنظر إلى المقدار الذي تُقلِّص فيه شركات النفط الدولية من حجم استثماراتها؟
بالتأكيد، وهذا ما أنا قلقٌ بشأنه؛ فكما كنت أقول مرارًا خلال العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية، فإن خفض الاستثمارات في قطاعنا يأتي في غير أوانه، ونحن نلاحظ أثر هذا الانخفاض في الاستثمار في القطاع. هناك ضغوطات تواجهها شركات الطاقة الرئيسة حول العالم من قبل المساهمين والمستثمرين، وهذا النوع من الضغوطات من وجهة نظري مخالف لما يقتضيه المنطق. أصبحت هناك قيود مفروضة على رأس المال، وكثيرٌ من المنتجين يبتعدون أكثر عن مجال النفط والغاز. وهذا بالنتيجة يتسبب في انخفاض الإمدادات، وأنا قلقٌ من أن هذا التوجه سيستمر على مدى المستقبل المنظور. لكن المشكلة الأكبر ترتبط بتحوُّل الطاقة؛ فالقطاع يساند هذا التحوُّل نحو مصادر طاقة أفضل وأنظف، لكن التحوُّل ينبغي له أن يراعي مسألة ضمان إمدادات موثوق بها من الطاقة، يمكن للناس تحمُّل تكاليفها. هناك حاجة إلى تحوُّل منهجي، ووجود سياسات طاقة عملية أمرٌ ضروري، كما ينبغي تحاشي القرارات المتعجِّلة قدر الإمكان، من أجل عودة الأمور إلى نصابها في قطاع الأعمال.
- برأيك، متى يمكن أن نرى تعافيًا على صعيد الاستثمارات، وأيضًا من جانب زيادة سعة الإمدادات؟
لا يدرك كثير من الناس كيف تسير الأمور في قطاعنا؛ فتوفير الإمدادات للأسواق يتطلَّب وقتًا. أرامكو السعودية تعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة من 12 إلى 13 مليون برميل في اليوم. وهذا الزيادة بواقع مليون برميل تتطلَّب عدة أعوام، فلن يكون الوصول بالطاقة الكاملة إلى مستوى 13 مليون قبل عام 2027م. يستغرق الأمر عامين إلى ثلاثة أعوام لإنجاز العمل الهندسي المرحلي، كما تستغرق أعمال الإنشاء قرابة ثلاثة أو أربعة أعوام إضافية. وبالتالي، سيستغرق الأمر بعض الوقت لتوفير إمدادات إضافية للسوق. نحن نقوم من جهتنا بما ينبغي إزاء تعزيز طاقة الإنتاج على الرغم من أن لدينا طاقة إنتاج احتياطية كافية. وفي الوقت الراهن، نقوم بتوفير إمدادات إضافية للسوق، بينما نعمل على خفض الانبعاثات الناجمة عن أعمالنا في الوقت نفسه. لكن الآخرين في القطاع، وبقية شركات الطاقة، ينبغي أن تفعل ذلك أيضًا.
- ما هو رأيك حيال تقرير الوكالة الدولية للطاقة بشأن المحصلة الإجمالية الصفرية للانبعاثات؟
أعتقد أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة قدَّم ثلاثة سيناريوهات محتملة، يتفاوت فيها الطلب على النفط في عام 2050م ما بين 104 ملايين و24 مليون برميل في اليوم، وهذا نطاق واسع. لكن التركيز في الجانب الأكبر كان على احتمال الطلب الأكثر انخفاضًا، وهذه ليست صورة واقعية للمستقبل. كما يبدو أن التقرير أيضًا أُعد وفق منظور غير محايد يقتصر على ملاحظة منطقة بعينها، ومع الأسف أنه يعمِّم هذا المنظور على العالم بأكمله. وعلى سبيل المثال، تحثُّ أوروبا الخطى على صعيد تحوُّل الطاقة، لكن الاتحاد الأوروبي يستهلك ما يزيد بعض الشيء على %10 من النفط الخام. والافتراض هنا هو أن أوروبا ربما كانت قادرة على تحمُّل حل طاقة أكثر تكلفة. لكن مع الأسف، فإن أغلب الدول النامية في العالم لن يكون بمقدورها تحمُّل تكاليف إضافية لإنجاز هذا التحوُّل في الطاقة، وبالتالي فإن التكاليف المعقولة هي أولوية رئيسة في هذا الصدد. لكن كما نرى في ضوء ما حدث مؤخرًا، أصبحت التكاليف المعقولة بمثابة مشكلة حتى بالنسبة لأوروبا. ومن أجل أن ينجح التحول ويتم على نحو سلس، من الضروري أن تتعاون الحكومات والجهات التنظيمية والمستهلكون والشركات معًا لتطوير خطة مستقبلية للطاقة تجمع بين المثالية والعملية. ومن وجهة نظري، يُثقل التقرير كاهل المستثمرين والمساهمين بتركيزه على سيناريو الطلب المنخفض.
- على أي نحو يبدو النمو في الطلب في آسيا؟ هل هناك طلبٌ على شحنات منخفضة الكربون؟
نحن في أرامكو السعودية نفعل كل ما في وسعنا لخفض الانبعاثات وتجنُّبها بشكل أكبر. على سبيل المثال، يمكن للهيدروجين أن يكون حلًا، ولكن الأسواق تحتاج إلى أن تتطور أكثر قبل أن يحدث ذلك على نطاق أوسع. في الوقت الحالي، تحوُّل الطاقة يمضي ببطء في الدول النامية بسبب التكاليف العالية، والقدرة على تحمل هذه التكاليف. لكننا نرى أن ذلك يتغير بمرور الوقت. كما نحتاج أيضًا إلى إدراك الحقائق التي تطرَّقت إليها الوكالة الدولية للطاقة، في خارطة الطريق التي وضعها تقريرها بشأن محصلة إجمالية صفرية من الانبعاثات بحلول 2050م؛ فهذه الحقائق لم تحضَ بالقدر الكافي من الاهتمام. ومثلًا، هنالك اليوم أكثر من 800 مليون نسمة حول العالم لا تتوفر لهم الكهرباء.
- ما هي الحقول التي سيتم التوسع في الإنتاج منها لإضافة الزيادة المقرَّرة بقدر مليون برميل في اليوم؟
في الوقت الراهن، نعمل على إتمام أعمال الهندسة المرحلية. وفيما يتعلق بالسعة الإضافية عند الحاجة إليها، وهو ما نقوم به بالفعل للوصول إلى مستوى 13 مليون برميل في اليوم، سينصب تركيزنا على حقول الإنتاج الحالية، وسنُعلن عن ذلك بالشكل المناسب عندما ننجز أهدافًا محددة من المشروع. ولكن الزيادة ستأتي من حقول حالية وأخرى جديدة، وستكون مزيجًا بين الأمرين.
- هل ستكون الزيادة في أغلبها من حقول بحرية؟
نعم، فلدينا كثيرٌ من الموارد البحرية، ولذا سيكون هنالك تركيز على الأعمال البحرية لتطوير سعة إضافية للإنتاج منها.
- متى ستتوفَّر هذه الزيادة؟
لن تتوفر الزيادة على دفعة واحدة. ستكون هنالك زيادات مختلفة تأتي على مراحل، ولكن الوصول إلى السعة الكاملة سيكون في 2027م. قد لا يستوعب البعض أن توفير إمدادات إضافية لا يأتي بمجرَّد ضغطة زر، فهذا الأمر يتطلب وقتًا وجهدًا. الهندسة المرحلية بحد ذاتها تستغرق عامين، لذا آمل ألَّا نُفيق غدًا على كارثة بين أيدينا، بسبب أننا لم نطور الموارد الصحيحة والإمدادات الكافية لتليبة احتياج العالم.
- هل يمكنك أن تخبرنا مزيدًا من المعلومات عن خطط أرامكو السعودية لتطوير موارد الغاز؟
إذا نظرت إلى قدراتنا الحالية على معالجة الغاز، فإنها تبلغ حوالي 18 مليار قدم مكعبة قياسية في اليوم. وسيكون هناك تكامل بين برنامجنا للغاز غير التقليدي وبرنامجنا للغاز التقليدي. وأكبر مشاريعنا للغاز غير التقليدي هو مشروع الجافورة، الواقع شرق حقل الغوار النفطي. إنه تركيب ضخم جدًا، فنحن نتحدث عن مكمن يمتد على نطاق تُقدر أبعاده بـ 170 و100 كيلومتر من الصخور المصدرية، التي تحتوي على كميات كبيرة من الغاز الغني بالسوائل. وتُعد الكميات الجيدة من الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي من المكاسب الإضافية التي نحصل عليها من الغاز الغني للجافورة، حيث تُسهم في تعزيز الربحية، كما يمكن أن تُستخدم كلقيم لأعمالنا في مجال الكيميائيات. وأغلب التكاليف الحالية لتطوير موارد الغاز غير التقليدي مقاربة إلى حد كبير من أمريكا الشمالية، كما أن تكاليف التنشيط لدينا أدنى قليلًا من تلك التي في أمريكا الشمالية. وستأتي أول زيادة في الإنتاج من الجافورة في 2025م. وحينئذ، سنقوم بزياد الإنتاج تدريجيًا إلى ملياري قدم مكعبة قياسية في اليوم من الغاز المُعد للبيع في 2030م.
- كم مقدار الغاز الذي سيتوفَّر من المرحلة الأولى من الجافورة؟
نحن نتحدث عن حوالي 200 إلى 300 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، وحينئذ ستزيد سنويًا حتى تصل إلى مليارين. وكما قلت سابقًا، سنبلغ السعة الكاملة للإنتاج في عام 2030م، بإذن الله.
- ما هي خططكم لفتح قطاع الغاز أمام المستثمرين الأجانب؟
الإستراتيجية تهدف إلى إزالة الحاجة إلى حرق السوائل الهيدروكربونية في المملكة، وسيكون لذلك بكل تأكيد عوائد اقتصادية، كما سيساعد على خفض الانبعاثات. لذا، سيكون لدينا كثير من الفرص للتعاون فيما يتصل بالتنقيب والإنتاج والمعالجة والتسويق في أعمال الغاز. وإذا كان الأمر مجديًا وذا قيمة، فإننا نسعى بالتأكيد إلى استكشاف فرص التعاون مع نطاق من المستثمرين، وهذا بالفعل ما نقوم به حاليًا. وكما قلت سابقًا، لن نقتصر على تطوير موارد الغاز غير التقليدي، بل ستكون هناك موارد أخرى نعمل على تطويرها أيضًا، مثل الغاز المصاحب. وأودُّ الإشارة إلى أن أبوابنا مفتوحة أمام فرص التعاون.
- هل كانت هناك أي تطورات فيما يرتبط برؤيتكم بشأن الهيدروجين خلال العام المنصرم؟
نحن نؤمن بأن الحاجة إلى الهيدروجين النظيف، في قطاعات النقل وتوليد الطاقة الكهربائية والصناعة، ستزيد مع مرور الوقت. وهناك عاملان رئيسان يمثلان ميزة تنافسية بالنسبة لنا، وبالأخص فيما يتصل بمفهوم الهيدروجين الأزرق، وهما موارد الغاز واحتياطيات الغاز الكبيرتان لدينا. نحن نقوم ببناء سعة أساس لإنتاج الهيدروجين الأزرق ترتبط بمعدل الطلب، بحيث يعتمد حجم الإنتاج بشكل تام عليه. وكما تعلم، في نهاية المطاف، تكاليف الهيدروجين النظيف أعلى بكثير بالمقارنة مع برميل مكافئ من النفط أو الغاز. ولذا، تحتاج السوق للتطوير، لتتمكن شركات مثل أرامكو السعودية أو شركات الطاقة الأخرى حول العالم، من تطوير مشاريع على نطاق أكبر على هذا الصعيد. لدينا الرغبة، وكذلك القدرة، ونمتلك الموارد اللازمة للقيام بذلك. ولكن في الوقت الحالي، نعمل مع عملائنا في أسواق مختلفة لنرى ما إذا كانت لديهم الرغبة في مشاريع على نطاق أكبر. وهذا هو الأمر المهم في نهاية المطاف؛ التأكد من أن يكون هناك اتفاقيات للشراء، من أجل بناء مشاريع ضخمة للهيدروجين النظيف.
تعليق الصورة في أعلى الصفحة: أمين الناصر متحدِّثًا حول شؤون الطاقة، خلال الحوار الافتراضي الذي أجراه معه أليكس شندلر.
يُعاد نشرها من عدد 8 أكتوبر لمجلة «بتروليم إنتيليجينس ويكلي»، مجلد 60، رقم 40، بعد أخذ الإذن من الناشر، إنيرجي إنتيليجينس قروب، لأرامكو السعودية.
حقوق الطبع © 2021 إنيرجي إنتيليجينس قروب. جميع الحقوق محفوظة.