حين هممتُ بالكتابة عن اليوم الوطني السعودي 91، تراءت في مخيلتي قائمة طويلة من المفاخر والمنجزات التي لا تكفي عشرات المقالات لإيفائها حقها من الذكر، ومنها: الصناعة، والاقتصاد، والبيئة، والسياسة، والطاقة، والاستثمار، وغيرها الكثير.. لكني في الواقع كنت أتطلع للكتابة عن أمر مختلف؛ أمر واحد فقط يمكن القول عنه بثقة وقناعة بأنه نموذج يعبّر بجلاء عن مملكتنا الحبيبة وانطلاقتها بحكمة وعزم نحو المستقبل.
هذا الأمر دون أدنى شك هو التعليم، فالتعليم هو الأساس والقاعدة الصلبة التي تقف عليها بثبات كل الطموحات والمنجزات الأخرى، وإذا كان هناك مقياس لتقدم وحضارة الأمم وتميزها، فإن ذلك المقياس حتمًا هو التعليم قبل أي شيء آخر مهما كانت أهميته.
عادت بي ذاكرتي لمقال قديم بعنوان (من قلب جامعة هارفارد)، كتبته في صحيفة المدينة بتاريخ 30 أبريل 2014م عبّرتُ فيه حينها عن حلم كان يراودني وكثيرين جدًا غيري، ألا وهو رؤية قطار تعليمنا متحررًا من القيود التي كبلته طويلًا، ومنطلقًا بأقصى سرعة نحو منافسة أفضل دول العالم وأكثرها تقدمًا. وكان مما كتبته بحسرة وألم في ذلك المقال: «لا يمكن أن ندع الطلاب ينتظرون وقتًا أطول ليحصلوا على التغيير الذي يستحقونه، نحن بحاجة لتغييرات راديكالية، تسير بسرعة 200 كيلومتر في الساعة، يكون في مقدمتها تطوير أنظمة التعليم ومناهجه»، التي ظلت عصية على أي محاولات تطوير حقيقية لقرابة 28 عامًا.
بعد ذلك بعامين فقط، وتحديدًا في 25 أبريل 2016م، انطلقت رؤية 2030 الميمونة، التي جعلت أحلام السعوديين واقعًا ملموسًا يرى النور في كافة المجالات، وفي مقدمتها التعليم، الذي وضعته الرؤية على رأس اهتماماتها وأولوياتها.
وعلى الرغم من جائحة كورونا التي أربكت العالم برمته بشكل لم يسجل التاريخ له مثيلًا من قبل، إلا أن المملكة اثبتت -وقت أحلك الشدائد- أنها تقف واثقة على قاعدة صلبة تستمد قوتها من قيادة حكيمة وشعب مخلص محب، وموارد يتم استثمارها في بناء الإنسان وتنمية المكان.
وكما قال وزير التعليم، الدكتور حمد آل الشيخ: «إن غاية التطوير الحاصل للمناهج والخطط الدراسية وتطبيق مسارات الثانوية والفصول الثلاثة هي بناء إنسان يمتلك مهارات القرن الحادي والعشرين، ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة ووظائف المستقبل، والمشاركة في التنمية الوطنية، والقدرة على المنافسة عالميًا»، مبشرًا أبناء وبنات الوطن بنظام تعليمي متطور يستجيب لطموحاتهم، ويستثمر قدراتهم ومهاراتهم، ويعزز من مشاركتهم لخدمة وطنهم.
وإضافة لبرامج التطوير، فإن النتائج المتحققة كثيرة ويصعب حصرها، وآخرها كمثال ما شهد به الغريب قبل القريب، ومنه إشادة وزير التعليم الإيطالي ومنظمة اليونسكو بنجاحات المملكة في التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، حين أطلقت منصة «مدرستي» بأحدث المعايير العالمية وتجاوز عدد زياراتها مليار زيارة، والتقدم الملحوظ للمملكة في مؤشرات الاختبارات الدولية، وتصدُّر المملكة للدول العربية في البحث العلمي وفقًا لمؤشر «نيتشر» 2021م، ووصول 15 جامعة سعودية ضمن أفضل الجامعات عالميًا وعربيًا. والقائمة تطول، والقادم أجمل وأفضل، بحول الله. وكل عام والوطن بألف خير وتقدم ورقي.
كاتب وأكاديمي سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
