رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية.. ( 2/ 10)
أعمال الحفر.. استخراج كنوز النفط والاهتمام بحماية البيئة
هذه القصة، التي تُنشر في عدة أجزاء، تسلِّط الضوء على ما وراء الستار في رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية، بدءًا من المكامن وحتى نهاية الرحلة.
عند الساعة 9:45 صباحًا، كانت المواد الهيدروكربونية تتدفق بأمان عبرأنبوب مؤقت، يبلغ طوله 70 مترًا وقطره 3 بوصات، ممتدًا على رمال صحراء الدهناء الحارقة في صيف شهر يونيو.
محتويات هذا الأنبوب، التي تمثِّل الكمية الأولى من الغاز الذي يصحب إنتاج النفط الخام من بئر جديدة، ربما تكون قد أُحرقت قبل سنين مضت.
وعلى الرغم من أن تدفق المواد عبر الأنبوب يستمر فقط لبضع ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة، إلا أن استخدامه في الربط الناجح بين جهاز الحفر (إيه ديسي – 45) وبين خط الإنتاج الرئيس للبئر، يمثل تتويجًا لعملية خُطِّط لها قبل عدة أسابيع.
ويتطلَّب استخلاص الغاز والنفط من التدفق الراجع للبئر الاستعانة بأسلوب يختزل ضمنه خبرات واسعة واهتمامًا خاصًا بالسلامة. وتمثِّل وصلة ربط الغازهذه إجراءً مهمًا للحد من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تستعين أرامكو السعودية بهذا الإجراء في أعمال الحفر عند توفُّر متطلبات السلامة.
هبةٌ خاليةٌ من الانبعاثات
جهاز الحفر (إيه دي سي – 45) تم تثبيته مؤقتًا لاستيفاء احتياجات بئر خريص– 590. هذه البئر النائمة، التي تمتد بين ثنايا الكثبان الرملية الجرداء في موقع مسوَّر مساحته 10 آلاف متر مربع، تواجه مشكلة في الإنتاج.
فعادة ترزح سوائل البئر النفطية، التي تتضمن النفط والغاز المذاب والماء المالح وكميات من كبريتيد الهيدروجين، تحت ضغط آلاف التشكيلات الصخرية المتراصَّة، التي تحتجزها في مكمن تحت سطح الأرض. لكن الضغط في هذه البئر التي حُفرت عام 2016م قد انخفض، وفرق الحفر وصيانة الآبار تعكف على استئناف الإنتاج منها.
وتستخدم أرامكو السعودية ضغط المكمن كعامل رئيس لإنتاج النفط الخام، ولاتُستخدم مضخات النفط لهذا الغرض؛ فقوة الضغط هبةٌ لا تترتب عليها أي تكلفة، كما أنها لا تتسبَّب في الانبعاثات.
ومع مرور الوقت، يمكن أن ينخفض الضغط الطبيعي في جوف الأرض. وإذا لم يكن ضغط المكمن كافيًا، فقد تلجأ الشركة إلى أسلوب حقن مياه البحر المحلاة، أو تستخدم وسائل أخرى في جوانب المكمن وأسفل النفط لدفعه إلى الأعلى باتجاه الآبار.
استعادة الضغط دون حرق الغاز
ويشير تدفق المواد الهيدروكربونية من خلال أنبوب ربط التدفق الراجع، المجهَّز بوسائل لمنع ارتفاع الضغط، إلى النجاح في استعادة ضغط البئر.
وفي فترة سابقة، كان حرق الغاز باستخدام الشعلات الطريقة الأكثر أمانًا للتعامل مع الغازات التي تتدفَّق عبر الأنبوب، فتشكل خطرًا على فرق أعمال الحفروصيانة الآبار.
لكن في الوقت الراهن، وُضعت خطة الحد من حرق الغاز عبر الشعلات موضع التنفيذ، فالإدارة المنهجية والابتكار يقودان إلى استثمار هذه المواد الهيدروكربونية بدلًا من هدرها.
وفي هذا الصدد، يقول ملاحظ الأشغال الذي يتضمن عمله مراقبة وصلة الربط بدقة، سعد القرني: «بالنسبة لأعمال الحفر وصيانة الآبار، فإن المحافظة على تدفق جميع المواد الهيدروكربونية بانسياب وأمان إلى خط الإنتاج يؤدي إلى التجنُّب الكامل لحرق الغاز باستخدام الشعلات؛ فحرق الغاز إهدار لموارد الشركة إلى جانب إضراره بالبيئة».
إن مبادرة التجنُّب الكامل لحرق الغاز عبر الشعلات تمثِّل إجراءً بيئيًا مهمًا. سعد القرني
ويسلِّط القرني الضوء على التخطيط والتنفيذ المتأنيين بوصفهما ضرورين خلال أعمال استعادة المواد الهيدروكربونية عبر خط التدفق الراجع، مع أخذ جميع احتياطات السلامة الوقائية بعين الاعتبار.
ويُضيف القرني قائلًا: «مسؤوليتي تتضمَّن المحافظة على سلامة الموظفين وحماية البيئة، ونحن نعمل بروح الفريق الواحد وفق خطة متفق عليها، لنتمكن من تحقيق أهداف العمل مع ضمان السلامة».
آبار النفط الذكية
يمتد أنبوب الربط إلى خط الإنتاج الرئيس، الذي يجري التحكم به عن بُعد، والذي يتضمَّن شبكة معقدة متناغمة من الأنابيب وصمامات تنظيم التدفق، وغيرها من الصمامات وأجهزة القياس.
وفور تأمين الأوضاع، يُزال أنبوب التدفق الراجع، وبمساعدة أساليب الدفع الصناعي، تضخ بئر خريص - 590 النفط الخام من جديد مباشرة من خلال الخط الرئيس إلى معمل الشركة في خريص من أجل استكمال أعمال الفصل والتركيز.
ويُعد خريص حقلًا ذكيًا، حيث صُنِّف كمنارة صناعية عالمية من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020م، نظير ما تشتمل عليه أعماله من استفادة من التقنيات المتقدِّمة. ويراقب نظام توأمة رقمي موازٍ أعمال حقل خريص بعين إلكترونية آنية شاملة، طوال أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة.
كما تراقب أدوات التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة جميع الآبار في حق لخريص، بما يعود بفوائد بيئية واقتصادية، تتضمَّن تعزيز كفاءة الطاقة، ورصد الأعطال مبكرًا، والارتقاء بإدارة المكامن.
روح الفريق الواحد
وفي ظل وجود ما يزيد على 200 جهاز حفر تحت إدارتها، تضطلع أرامكوالسعودية بمسؤولية إدارة أحد أكبر أساطيل أعمال الحفر في العالم من خلال جهات مقاولة.
ويأتي المقاولون العاملون في أسطول الحفر من شتى أصقاع المعمورة، بما في ذلك الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا والأمريكتان. لكن جميع الجهات تعمل معًا بروح الفريق الواحد، وتلتزم بمعايير التشغيل العالمية التي تعتمدها أرامكوالسعودية، مثل معايير معهد البترول الأمريكي، ومعايير المنظمة العالمية للمواصفات والمقاييس.
وتعمل جميع مواقع الحفر التابعة لأرامكو السعودية طوال أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة، وذلك لفترات تتراوح بين عدة أسابيع وعدة شهور، ويلتزم القائمون عليها بالتعليمات في إطار برنامج يشرف عليه مهندسو الحفر في الشركة. كما يزور مفتشو الصحة والسلامة والبيئة جميع أجهزة الحفر مرتين في السنة، لإجراء تفتيش شامل يُسهم في ضمان الامتثال للمعايير المطلوبة في هذه المجالات.
التحول نحو الاقتصاد الدائري
تضع أرامكو السعودية نصب عينيها هدفًا واضحًا يتمثل في أن تتبوأ مكانة رائدة على خارطة الاقتصاد القائم على التدوير، الذي ينطوي على إعداد مبادرات صديقة للبيئة تحد من الآثار المحتملة على البيئة. وعلى هذا الصعيد، وفَّرت الشركة، مؤخرًا، تدريبًا يتمحور حول اقتصاد الكربون الدائري لأكثر من 1400 موظف، وأجازتهم بشهادات في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، يقول القرني: «من المهم أن يطبق الجميع مبادئ الاقتصاد القائم على التدوير؛ فالأنشطة البشرية التي لا تخضع للضبط يمكن أن تُلحق الضرر بالموارد بما ينعكس سلبًا على كوكبنا، وعلينا جميعًا أن نُسهم بابتكارات تمكننا من الاعتناء به على وجه أفضل».
ولسوائل الحفر، التي تُعرف بـ «الطين»، فوائد عديدة في أعمال الحفر، مثل تبريد المثاقب وتشحيمها، وضبط ضغط التكوينات، وسحب الفُتات الخارج مع الطين إلى سطح الأرض. وتتقاسم أجهزة الحفر التابعة للشركة الطين المستصلح أو غيرالمستخدم، الذي يمثِّل عادة أكبر مخلفات هذه الأعمال.
يقول القرني: «عندما يكون هناك فائض من هذه السوائل لدى أحد أجهزة الحفر، تُبلَغ الأجهزة الأخرى في أرامكو السعودية بذلك. وإذا لم يكن هناك أي جهاز حفر بحاجة إليه، يُخزَّن هذا الفائض في شدقم أو في مواقع أخرى لاستخدامه لاحقًا».
ومتى ما سنحت الفرصة، تستخدم أرامكو السعودية أليافًا مستخلصة من نوى النخيل المحلية المُهملة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر، في تقنية طُوِّرت بواسطة مركز الأبحاث المتقدِّمة في إكسبك.
كما تُفرَز مخلفات أعمال الحفر، فإما أن يُعاد تدويرها، أو ترسَل إلى مرافق معتمدة حكومية أو تابعة للشركة من أجل تصريفها.
وعوضًا عن الاستبدال المباشر لمعدات وأنابيب فوهات الآبار، فإنها الآن تُفحص وتُجدَّد لاستخدامها بشكل مستمر.
الحد من حرق الغاز بواسطة الشعلات
أرامكو السعودية، التي وقعت على مبادرة «الوقف التام للحرق الروتيني للغازبحلول عام 2030م» حين أطلقها البنك الدولي، يُشار إليها بالبنان بوصفها إحدى أقل شركات قطاع الطاقة من حيث معدلات كثافة حرق الغاز في الشعلات.
وتلتزم الشركة بتبادل الممارسات والمعارف المثلى للحد من حرق الغاز عبرالشعلات مع الشركات النظيرة.
وتُسهم أنظمة استعادة غاز الشعلات، وبرامج سلامة الأصول وكفاءة الطاقة ورصد التسرب وإصلاحه، في تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن أعمال الشركة.
كثافة حرق الغاز عبر الشعلات في أرامكو السعودية
5.95 / 2020 م
5.88 / 2019 م
قدم مكعبة قياسية لكل برميل مكافئ نفطي
**التقرير السنوي لأرامكو السعودية لعام 2020م
موارد أقل.. ونتائج أفضل
حفر آبار أقل في حقل نفطي مع إنتاج الكمية نفسها من النفط الخام هي معادلة تعود بالنفع والفائدة على البيئة وقطاع الأعمال معًا.
وتقنية الحفر تطوَّرت تطورًا كبيرًا عما كانت عليه في أيامها الأولى لتُسهم فيتحقيق هذه المعادلة؛ ففي الوقت الراهن، تنحني ثقوب الحفر باتجاه أفقي منطلقة من ثقوب عمودية على السطح، كما تتفرع في تقاطعات متعددة مشابهة لأغصان الأشجار، فيما يُدعى بـ «الآبار الأفقية المتشعبة».
وقد بدأت أرامكو السعودية بتوظيف تقنية الحفر الأفقي في حقل البري عام1991م، بينما أصبح حقل الشيبة، الذي طُوِّر في منتصف التسعينيات، أول حقل نفطي في المملكة تُستخدم فيه الآبار الأفقية والمتشعبة حصريًا.