أصدرت اللجنة الفيدرالية للتجارة في أمريكا إحصائية رصدت متوسط عدد الإعلانات التي يتلقاها الأطفال بما يقرب من 20,000 إعلان سنويًا، الأمر الذي يعني أن الطفل يمضي ثلاث ساعات أسبوعيًا في مشاهدة الإعلانات، بالإضافة إلى أن الشركات زادت من نسبة صرفها على الإعلانات، حيث بلغت المصروفات 181 مليار دولار عام 2014م.
هذه الأرقام الهائلة والمبالغ الطائلة تدعوننا إلى التساؤل حول جدوى الإنفاق وأثره على الإنسان، وحول دورها في تغيير سلوكه بما في ذلك تعزيز سلوك التفاخر لدى الفرد.
إن طبيعة الإنسان تميل إلى التكيف مع بيئته والعيش بناءً على الظروف المصاحبة له، فكان قديمًا يعمل ليلًا ونهارًا ليستطيع العيش ويكف عن نفسه خطر الجوع والموت، حيث يقاتل ويحارب ويسعى ويخاف حتى يؤمن لنفسه ولأبنائه لقمة العيش. ولما ازدهرت الحياة وتطورت وتنوع الاقتصاد في العالم بعد الثورة الصناعية، تغيرت مفاهيم الفرد في تقييم احتياجاته وآلية عمله، فأصبحت لديه ثورةٌ وقيمةٌ، وقل خطر فقدان الضروريات وزادت فرص الحصول على الكماليات، وبدأت ثقافة الاستهلاك تزيد وتنتشر.
وهكذا بدأ الإنسان يفكر كيف يصرف أمواله ويزيد من دخله، وهذا ما دعا الشركات وأصحابها إلى استهداف ذلك الفرد والسعي لأخذ أمواله قدر المستطاع، من خلال تعزيز ثقافة الاستهلاك لديه وربطها بأمور تخص طبيعته لينجذب إليها، فالشركة التي تدفع ريالًا واحدًا في الإعلان ستكسب سبعة بالمقابل، حيث يؤدي الإعلام دورًا لافتًا في عملية التسويق وإيصال المنتجات إلى الفرد مع تغيير موازين القيمة الشرائية للمنتج، لتصبح مرتبطة برغبة الأفراد فيه.
ونتيجة لذلك، تنامت الثقافة الاستهلاكية لدى الفرد، وتنامى معها شعوره بالمتعة المؤقتة في اكتساب السلع، والسعي الحثيث نحو امتلاكها حتى لو لم يمتلك قيمتها الفعلية، بما أنها تعكس المكانة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية للفرد كما يتم التسويق لذلك.
ولعلك رأيت في بعض المحلات التجارية نماذج من ربط سلعة ما بصفات معينة يمتلكها من يقتنيها، فمثلًا بعض العطور الفرنسية يتم ربطها بالرومانسية، وبعض الأجهزة ترتبط بمن هم أكثر ثراءً، الأمر الذي يزيد من الحالة الشعورية للفرد ورغبته في الشراء حتى لو كان يسبب خللًا في اقتصاد الفرد وتغيرًا في صفاته.
ومع مرور الوقت، يتنامى هذا الميل لدى الفرد لاقتناء الأشياء، ثم يتطور حتى يصبح أسيرًا لها، حيث يبدأ في اقتناء سلعة معينة ثم ينتقل لنسختها الأحدث، حتى لو لم يكن يحتاجها، ويتصور أن قيمة السلعة تنعدم بقدمها، ويمثل الجديد رغبته في الإعلان عن مكانته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، بالإضافة إلى ربط هذه السلعة وما شابه بالهدايا الثمينة والحفلات الفاخرة كما قال الكاتب الاقتصادي ثورشتاين فبلن.
ما أود قوله إن بعض الأشياء تكتسب قيمة فوق قيمتها، وأن الوعي في تقييم الفرد لحاجياته يساعد على تخفيف الثقافة الاستهلاكية التي انتشرت بعد الثورات الصناعية، فهذه محطة نقف فيها لنحميَ أنفسنا من اكتساح هائل لأموالنا ومصروفاتنا في ظل الرغبة المتزايدة في الاستهلاك مع مرور الوقت.
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.