التاريخ هو ذلك السجل الكبير الذي تغص صفحاته الباهتة بالأحداث والوقائع والوثائق، وكذلك بالحكايات والأساطير والخرافات التي دونها المؤرخون بمختلف ميولهم وتوجهاتهم وقناعاتهم.
وحتى نستفيد من تاريخ الأمس لصناعة الحاضر ورسم المستقبل، يجب أن نقرأ/نفهم التاريخ بشكل موضوعي وعقلاني وعلمي، لكي نستخدمه كفنار نستنير بدروسه ونهتدي بعبره. وهنا أرصد عشرة من الأسرار التي تُساعدنا على قراءة/فهم التاريخ:
السر الأول: هناك قراءات متعددة للتاريخ وليس قراءة واحدة فقط. وكل من يُريد أن يقرأ/يفهم التاريخ بشكل جيد وموضوعي، عليه ألَّا يرسم فكره بلون واحد من كتب ومصادر التاريخ.
السر الثاني: فرق كبير بين المعلومة التاريخية والحقيقة التاريخية، وكتب التاريخ تغص بالأحداث والوقائع التي تحتاج لقراءة متأنية ومتفحصة لضبط سندها وتتبع رواتها.
السر الثالث: لا تحاكم التاريخي الماضي بأدوات الحاضر، ولكن استخدم ميزان الوعي ومسطرة التفهم لأحداث ووقائع التاريخ وضعها في سياقاتها الزمانية والمكانية.
السر الرابع: اقرأ التاريخ بتجرد ما استطعت إلى ذلك سبيلًا. وقبل أن تفتح صفحات التاريخ، افتح عقلك وقلبك، وتمرد على الضغوطات والمؤثرات الثقافية والعقدية.
السر الخامس: لا تقرأ التاريخ بوصفه كلامًا مقدسًا «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»، ولكنه مجرد كتابة بشرية وقد تكون مجرد «وجهة نظر» تتأثر بالرغبات والنزعات.
السر السادس: انتهج القراءة الشاملة في قراءة/فهم التاريخ، وهي مدرسة عميقة ومتقدمة تعتمد على تعدد وتنوع المصادر والمراجع لدراسة واقعة ما أو حقبة ما في التاريخ.
السر السابع: التاريخ ليس حقيقة مطلقة، تمامًا كما هو ليس كذبة محضة، ولكنه صفحة رمادية تنتظر ذلك القارئ/الدارس الذي يملك ناصية الوعي ولجام التمرد لكي يقرأ/يفهم التاريخ بشكل جيد.
السر الثامن: مارس القراءة النقدية التي تولّد الأسئلة الصادمة، ولا تدفن فكرك في توابيت الإجابات المحنطة، ولا تقبل أن يكون عقلك مجرد سلة تُلقى فيها تلك الترهات والخرافات التي تغص بها كتب ومصادر التاريخ.
السر التاسع: وأنت تقرأ التاريخ، لا تنسى أن تمرر شريط الكوارث والمآسي التي تسبب التاريخ المزوَّر والمشوَّه بافتعالها وتأجيجها، لتُدرك خطورة وتأثير القراءات الخاطئة أو الأحادية للتاريخ.
السر العاشر: سرٌ بطعم النصيحة، وهو قراءة التاريخ بشغف العاشق ونهم المريد، واعتبار التاريخ أشعة بانورامية لمشاهدة السنن الكونية أو روزنامة احتفالية لمراجعة الحقب الزمنية.
تلك هي الأسرار العشرة لقراءة/فهم التاريخ، ولكن ثمة قاعدة تاريخية تستحق أن تكون خاتمة مثيرة لهذه الأسرار وهي: «يجب ألَّا نثق في التاريخ بالمطلق، خاصة ونحن نُشاهد الحاضر وهو يتعرض للتزوير أمام أعيننا».
فاضل العماني، كاتب سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.