اختار اللغة

أعمارنا بخبراتنا ونضجنا.. لا بتصرُّم سنواتنا!

5 characters of maturity

بقلم

التقدم في العمر وحده لا يعني بالضرورة أن تكون شخصًا ناضجًا، فالأول حقيقة من حقائق الحياة، بينما الثاني هو اختيار. والنضج لا يحدث بشكل طبيعي أو ببساطة من خلال التقدم في السن فحسب، بل إنه عملية تتطلب الكثيرمن الجهد والعمل الجاد الذي يأتي من خلال الوعي الذاتي والإدراك والإخلاص المستمر لضبط النفس.

وكما يقول المثل الشهير لسورين كيركيغارد، «لا يمكن فهم الحياة إلا عندما نرى آخرها، ولكننا يجب أن نعيشها من أولها»، فنحن لا ننمو بيولوجيًا فقط وإنما ننمو بشخصيتنا وتجاربنا وخبراتنا، وهو ما يعد بنفس القدر من الأهمية لنمو أجسادنا.

إذًا، ما هو المطلوب فعليًا منا لنصبح على قدرٍ كبير من النضج؟

وفقًا للطبيب النفسي، ستيفن مارمر، من كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في لوسأنجلوس، فإن هناك خمس خصائص للوصول إلى أعلى مستويات النضج،وللحصول على حياة أعمق وأكثر سعادة وإنتاجية.

وأول هذه الخصائص التي حددها مارمر ما يعرف «بالسيطرة والتحكم»؛ فنحن لا نختار المكان الذي نولد فيه، ولا نختار من يكون آباؤنا، ولكن مع تقدمنا في العمر، تتسع قدرتنا على التحكم في الخيارات والقرارات التي تشكل حياتنا. ولاشك أن رفض التكيف الذاتي بناءً على الخيارات التي تضعها لنا الحياة بشكلٍ جبري، ولعب دور الضحية دائمًا ما هو إلا أحد علامات عدم النضج الكامل للشخص. وبالمقابل فإن ممارسة هذا النوع من السيطرة على الذات ومحاولة التكيف مع الخيارات المتاحة في حياتنا في سن مبكرة يُنمي لدينا الشعور بالنضج.

وأشار مارمر إلى أن جانب «تحمل المسؤولية»، بوصفه أحد خصائص الشخصية الناضجة يمكن أن نحققه من خلال الاعتراف بمسؤولية أفعالنا، ومنها أخطاؤنا. فمن علامات عدم النضج، على سبيل المثال؛ أن نلوم الآخرين على أخطائنا التي تسببنا بها، ومن علاماته أيضًا؛ أن نرى الالتزامات عبئًا نود التخلص منه، فالاستعداد لتحمل الالتزامات والوفاء بها دليلٌ على النضج.

ورأى مارمر أن مهارة «احتواء المشاعر» تشكل إحدى خصائص الشخصية الناضجة، حيث يمكننا اكتشاف الأشخاص غير الناضجين عندما نراهم ينفعلون بسهولة إذا جرت الأمور بما يتعارض مع آمالهم ومخططاتهم. بل إنه يمكن قياس النضج بمدى القلق والتوتر الذي يمكننا أن نتحمله ونسيطر عليه، لا أن يسيطرعلينا ويدفعنا للتصرف بشكل غير لائق تجاه أنفسنا أو تجاه الآخرين. حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال ممارسة التعبير عن مشاعرنا في المكان المناسب، والوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة.

كما يعد امتلاك الشخص لوجهة نظر راسخة وواضحة، إحدى علامات النضج التي تمكن صاحبها من وضع خيبات الأمل التي تمر في حياته في منظورها الصحيح. فقد يكون من الصعب أن نواجه أولى خيبات الأمل التي تواجهنا في حياتنا عندما نكون في سن صغيرة، لكن خيبات الأمل لا تتوقف في سن معينة بل تستمر في مواجهتنا في حياتنا مع تقدمنا في السن فيما نستمر نحن بدورنا في مواجهتها بمزيد من النضج والقوة من خلال التحكم في إحباطنا وتقبله. 

ومن علامات النضج أيضًا السيطرة على حيادية مشاعرنا في المواقف المختلفة، بحيث تبقى نظرتنا موضوعية لا تتجاوز الحدث إلى صاحب الحدث ولا تخرجنا عن سياق حكمنا العام عليه. فعلى سبيل المثال، عندما نكون مستائين من تصرف شخص ما، علينا أن نضع خطأه في سياقه الطبيعي لا أن نتجاوزه إلى الحكم على كامل شخصه، بل يجب أن كون موضوعيين وحياديين ومنصفين في آن معًا،من خلال عدم نسيان كل التجارب الإيجابية التي مررنا بها مع نفس الشخص.

وأخيرًا فإن التحلي بفهم عميق لأفكار وسلوكيات الآخرين بما يجعلها منطقية بالنسبة لنا هو دليل نضج على حكمنا على الأمور. فلا يتعين علينا بالضرورة أن نتفق معهم، ولكن يجب أن نفهم الطريقة التي يفكرون ويتصرفون بها.

فهل نحن ناضجون بما يكفي لأعمارنا أم أن أعمارنا تكفي لأن نكون حقًا ناضجين ؟!