لابد أننا نتساءل مع ازدياد أعداد الكتب المنشورة يوميًا بكل اللغات: هل بمقدورنا أن نقرأ كتابًا مرتين؟! أم حريٌّ بنا أن نقرأ كتبًا جديدة؟! وهل نمتلك الوقت الكافي لقراءة الكتب التي تملأ رفوفنا فضلًا عن إعادة قراءة الكتب المقروءة؟!
إن فعل القراءة الحرة في الأصل هو عمل فردي، حميمي، فكل فرد لديه كتبه الخاصة وخطته القرائية التي يتبعها، وأحيانًا يقرأ ببساطة بلا خطط. ولكنني أجد الهوّة قد اتسعت بين القارئ ومساحته القرائية الشخصية في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعية، والتطبيقات الخاصة بقوائم الكتب وتسجيل القراءات. وأصبح الفرد يجد نفسه في «حلبة مصارعة» ومضمار سباق، وقوائم قد تغريه بشراء مزيد من الكتب التي لم يفكر بها يومًا ولا يرغب فعليًا بقراءتها.
حين أنظر لمكتبتي التي تمتلئ رفوفها بالكتب غير المقروءة، أشعر بالحنين للعودة إلى كتب قديمة. لا أعرف كيف انتهت تلك الكتب، وكأنني أبحث عن كتاب لا نهائي! وأتردد في الاختيار بين كتابين، أحدهما قديم والآخر جديد. وغالبًا تقع يدي على كتاب جديد، ولكن في مرات عديدة اخترت كتبًا سبق لي قراءتها.
ما الذي تمنحني إياه إعادة قراءة الكتب؟ سأحاول تحديد إجابتي على هذا السؤال عبر النقاط التالية:
- استعادة السحر: الشعور الجميل الذي لابد أنه علق في ذهني وأعادني إلى الكتاب مرة أخرى. المعلومات التي ظننت أنني نسيتها ولقيتها راسخة في عقلي. وهكذا أمنح نفسي فرصة التذكر والمحافظة على معلومات أو أفكار أحببتها.
- اكتشاف النص: فهم أعمق للأفكار والشخصيات، وربطها بأفكار أخرى في كتب مشابهة، والبحث عن أشياء دفينة في النص لم ألتفت لها سابقًا، والتقاط معانٍ جديدة، خاصة في الكتب الإنجليزية.
- تقنيات الكتابة: وهذا أمر بالغ الأهمية حيث أشق طريقي في مجال الكتابة. في القراءة الأولى لا أكون منتبهة للأساليب الكتابية وتقنياتها، بينما أقترب من فهم تلك التقنيات في القراءة الثانية. ما الذي جعل هذا الجزء مؤثرًا، وكيف كُتب ذلك الحوار؟ وما دلالة هذا الوصف وذاك التعبير؟
إن ما يجعل إعادة القراءة ذا أهمية هو وجود هدف، ألا تكون قراءة عشوائية لأحقق تلك الأمور التي ذكرتها آنفًا. بالإضافة إلى ذلك، قررت ألا أقرأ كتبًا لم تعجبني أو تشدني لمواصلة القراءة. وحديثي يشمل الكتب الأدبية أو غير الأدبية على حد سواء.
إن ما يجعلنا نشعر بضياع الوقت وعدم القدرة على إعادة قراءة الكتب هو التوقعات والخطط التي نحيط أنفسنا بها متكئين على رؤية الآخرين الذين يشاركوننا شغف القراءة في مواقع التواصل الاجتماعية. وهذا لا يعني أننا لا نجد بعض التوصيات القرائية الذهبية التي تسعدنا، إلا أن ذلك يتطلب وعيًا بأهمية البحث عن الكتاب والقراءة عنه وقراءة بعض صفحاته قبل اتخاذ قرار اقتنائه، وأن نحافظ على مساحتنا الفردية التي ستمنحنا مزيدًا من الراحة في التعامل مع كتبنا دون الشعور بأننا تخلفنا عن الركب.
أمينة عبدالوهاب الحسن، كاتبة ومترجمة سعودية.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.