من بين الأفعال الروتينية التي نقوم بها كل يوم دون تأمل أو تفكير هو أننا جميعًا، دون استثناء تقريبًا، أصبحنا نستخدم بطاقاتنا البنكية المصنوعة من البلاستيك لنشتري الكثير من الأشياء ومن بين ذلك الطعام الذي يدخل أجسادنا ويصبح جزءًا منها، ولكن هل سيكون صادمًا لك معرفة أن الإنسان في المتوسط يستهلك ما يعادل حجم البطاقة البنكية من ذرات البلاستيك كل أسبوع؟
وهل تعلم أن إنتاج القطن العضوي يتسبب بأقل من نصف التلوث الذي بتسبب به القطن العادي؟ وهل تصدق أن 450 غرامًا من شرائح اللحم التي استمتعت بها في عشائك البارحة تحتاج إلى ما يعادل 14000 قنينة من الماء العذب؟ يجدر بك أن تصدق ذلك، فالحيوان الذي كان مصدرًا للحم قد شرب وحده ما يقرب من 160 لترًا من الماء لكل كيلوغرام من وزنه، وحين نضيف إلى ذلك كميات المياه المستخدمة في زراعة الحبوب والأعلاف التي استهلكها سيقفز الرقم إلى ما يزيد عن 15000 لتر.
معرض فني بطابع مختلف
يستضيف مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) حاليًا معرضًا جديدًا تحت اسم «ثرى»، الذي ينظمه معرض «أركاديا إيرث» المعنيّ بالتوعية وإثارة الحوار حول القضايا البيئية الملحة على مستوى العالم بصورة توظف الفن الحديث وتقنيات الواقع الافتراضي المتقدمة.
وبهذا الاعتبار فإن «ثرى» هو معرض فني يتميّز بتقديم أعمال تركيبية تفاعلية من خلال الواقع الافتراضي والمعزز، وذلك لإعادة النظر فيما تعنيه الاستدامة البيئية وكيف يمكن أن نؤثر في عافية ومستقبل كوكبنا. ويوظف «ثرى»، عبر تركيزه على تمكين الأفراد، معلومات مألوفة ليوضح كيف يمكن أن تصبح أبسط الأفعال التي يقوم بها كلُّ واحد منا جزءًا من حل عالمي.
تركيبات فنية مدهشة
والمدهش في هذا المعرض أن هناك توازنًا ملحوظًا بين الجانبين المعرفي المعلوماتي من جهة، والجانب الجمالي البصري من جهة أخرى. ويلحظ الزائر ذلك من خلال التركيبات الفنية المدهشة التي طورها فنانون مرموقون من جميع أنحاء العالم باستعمال مواد مدوَّرة وقابلة لإعادة الاستعمال.
وأول ما يستقبل به «ثرى» زواره هو البوابة العجيبة، التي شكلها الفنان دانييل بوبر من جنوب أفريقيا، من الخشب الذي أعيد استخدامه والنباتات الخضراء على هيئة يدين ضخمتين -كل واحدة منهما أكبر من حجم إنسان بالغ- ممتدتين في إشارة ترحيب بالزوار.
ومن الأعمال المدشة بصريًا يذهلك بشكل خاص «كهف الألوان» من عمل الفنانة المقيمة في نيويورك، باسيا غاستشينسكا. الكهف المستوحى من كهف أفلاطون (حيث واقعك يعتمد على المعلومات التي تتلقاها) هو عبارة عن مغارة مضاءة بمصابيح مصنوعة من آلاف الأكياس البلاستيكية المهملة، التي حين تُجرف على الشاطئ أو يُلقى بها على جانب الطريق تتحول إلى ذرات البلاستيك التي أصبحت اليوم متفشية في سلسلتنا الغذائية.
تجربة مختلفة كليًّا
وبتزكية من جين غودال، عالمة الأنثربولوجيا العالمية وسفيرة الأمم المتحدة للسلام، فإن «الحياة البرية الغامرة» هو أول محمية للحياة البرية في العالم تعرض من خلال تقنية الواقع الافتراضي بنطاق 360 درجة. وبالمقارنة مع رؤية صور حيوانات مثل الأسود والفيلة والحمير الوحشية، فإن القدرة على معاينتها عن قرب هي عالم جديد بالكامل وتجربة مختلفة تمامًا.
إن الهدف من «ثرى» هو رفع وعي المجتمع حول تحديات حفظ الطبيعة، بما يشمله ذلك من جودة المياه والهواء، والتنوع البيئي، والاستدامة. وإلى جانب كل ذلك، تظل زيارة هذا المعرض الأنيق تجربة ممتعة ومثيرة؛ فالتحليق مع طيور البشروش (الفلامنغو)، وتسلق الأشجار مع الشامبانزي، واستكشاف الشعاب المرجانية وأشجار المانغروف، هو ما يجعل «ثرى» مغامرة تعليمية وترفيهية فريدة من نوعها.
جدير بالذكر أن المعرض مستمر حتى نهاية شهر سبتمبر من هذا العام.