محمد علي مدخلي، قاص سعودي، صدرت له مجموعتان قصصيتان بعنوان "ثمن الحرية" و"كان له أمل"
• اخترت كتابة القصة القصيرة، وبالأخص القصة القصيرة جدًا، هل هناك دافع وراء هذا الاختيار؟
تُعد القصة القصيرة جدًا ظاهرة أدبية طارئة آخذة في الانتشار والذيوع، إذ استطاعت بقصر حجمها أن تحفر لها مكانًا مميَّزًا في المشهد الثقافي ورقيًا وإلكترونيًا، بالإضافة إلى تنامي عدد الإصدارات والمقاربات النقدية. وكتابة القصة القصيرة جدًا تهبنا حيزًا لإبراز مفارقات الواقع وزيفه بما قلَّ وأدهش. على المستوى الشخصي، عندما تختلجني فكرة كتابة أي نص، لا أفكر مطلقًا في عدد المفردات؛ معنى ذلك أن الفكرة هي التي تفرض شكلها وقالبها، فهناك أفكار تأتي في شكل كبسولة، وأخرى تأخذ حيزًا أوسع.
• وهل ترى أن بوسع هذا النوع السردي، بما يتميز به من إيجاز وتكثيف للغة والصور، أن يعبِّر عن مفردات الحبكة التي ينبغي أن تتوفر في عملية القص؟
يقول د. جميل حمداوي، وهو ناقد متخصص في القصة القصيرة جدًا، إن هذا النمط جنس أدبي جديد يعتمد التكثيف الموحي، والحكاية المحبَّكة، والوحدة الموضوعية والعضوية، والمفارقة المستفزة، ويتسم بخاصيتي الاتساق والانسجام، وانبثاق التوتر الدرامي، والتأرجح بين الواقعية والشاعرية والرمزية المقنعة. ومن وجهة نظري الشخصية، هناك من يخلط بين الخاطرة وبين القصة القصيرة جدًا، وبالتالي يستسهل كتابتها. وهذا خطأ كبير؛ إن كتابة القصة القصيرة جدًا وفق ما تطرق له د.حمداوي تحملنا مسؤولية الاعتناء بالنص قبل طرحه.
• بالحديث كذلك عن طبيعة القصة القصيرة جدًا، تُعَد المفارقة كلمة السر في نسج المعنى المراد منها، لكن فك شفرة هذا المعنى يعتمد على القارئ نفسه الذي يفسره كما يريد. هل ترى أن هذا النوع الأدبي يفترض وجود قارئ واع على درجة كبيرة من النضج البلاغي حتى ينجح في تأويل المعنى؟
لا، فالقصة القصيرة جدًا هي فن وسطي ما بين التصريح والتلغيز. والمباشرة تفسد النص، كما هو الحال بالنسبة للغموض المبالغ فيه، فلا بُد أن يستمتع القارئ بما يقرأ من حيث اللغة والحبكة والقفلة المدهشة. أما مسألة "المعنى في بطن القاص"، فأنا ضده تمامًا.
• صدرت لك مجموعتان قصصيتان، ما طبيعة التجربة الشعورية والحالة الوجدانية التي شكَّلت السياق العام لطرح موضوعاتهما؟
أغلب نصوصي تحضر فيها قضايا الشأن العام، مثل الفساد والإرهاب، وعدم توفر أسِرَّة كافية للمرضى، والسرقة والنفاق، و"الهياط"، وتحطم العلاقات الزوجية، وغيرها. كما تحضر فيها أيضًا قضايا فلسفية ذات صلة بتساؤلات مضنية، ومن ذلك البحث عن براءة الطفولة المصادرة، وغرائب الأقدار، وكيفية الهروب من الواقع، وعلاقة الإنسان بالظل، ونحو ذلك. وبعض قصص المجموعة تقتات على تناقضات النفس الإنسانية، وتلبسها ثوبًا غير ثوبها في أحيان كثيرة.
• وكيف تقدِّر المساحة التي يجب أن تتقاطع فيها ككاتب، بما تحمله من سيرة حياتية، مع ما تنتجه من نصوص؟
ما بين ضيق الواقع ورحابة الخيال يتنقل القاص. عندما أكتب فكرة ما تتشابك خيوط السرد بين حقيقة الفكرة كواقع ملموس، وبين البناء السردي المشوق الذي يعتني باللغة وفنية الصياغة.
• هل تفكر مستقبلًا في كتابة الرواية بما تتيحه من إمكانية لمعالجة قضايا وتناقضات الواقع على نحو أوسع؟ أم سيستمر تفضيلك للقصة القصيرة؟
يختلف نمط كتابة الرواية عن نمط كتابة القصة والقصة القصيرة جدًا، من حيث الخطاب والشخوص والزمن ومدار أفعال النص. وبالتالي عملية التماثل ما بين القصة والرواية أمر صعب جدًا. وبشكل عام أميل للتنويع ما بين فنون السرد. ويحتاج القاص كي يصبح روائيًا أن يكون ملمًا بقواعد وأدوات النفس الروائي الطويل.