أول ما يخطر على بال الكثيرين عند الحديث عن أوجه التعاون الرئيسة بين الدول هو الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، باعتبارها جوانب ينظر إليها على أنها تحمل أبعادًا إستراتيجية وتأثيرًا لا غنى عنه في العلاقات الدولية. ولكن ومع بزوغ نجم مفهوم الدبلوماسية العامة والمفاهيم الأخرى المرتبطة به، مثل القوة الذكية، والقوة الناعمة التي تُعدُّ الثقافة عمودها الفقري، أصبح التعاون الثقافي بين الدول شأنًا لا يقل أهمية.. شأنًا لا تقتصر تأثيراته كما يوحي الاسم، على الجوانب "الثقافية" وحدها، بل يمتد ليشمل التأثيرات الاجتماعية والسياحية والإعلامية والاقتصادية، والسياسية أيضًا.
تختلف الآراء في تعريف مفهوم "التعاون الثقافي الدولي"، غير أنه يمكن بشكل عام تعريفه بأنه جميع أوجه النشاط التي تمارسها المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والقطاعان الخاص والعام، الهادفة إلى ترويج ونقل المعرفة والمهارات والفنون والمعلومات ذات الطابع الثقافي للدولة إلى الدول الأخرى، وذلك بهدف دعم العلاقات بين الشعوب عبر ترسيخ الفهم والثقة والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة.
ومن الأمور المهمة التي ينبغي أخذها في الاعتبار بهذا الصدد، الحرص على قيام التعاون الثقافي على أسس متساوية وعادلة بعيدة عن الانحياز وطغيان ثقافة معيَّنة على حساب ثقافة أخرى، ومراعاة حقيقة حساسية بعض القضايا الثقافية.
القيادات المستقبلية
ومن الأمثلة على التعاون الثقافي الدولي، برامج تبادل القيادات المستقبلية، وهي برامج تستهدف استقطاب الطلاب الذين يحملون سمات قيادية ويتوقّع أن يكون لهم تأثير مستقبلًا في دولهم، بحيث يتم تقديم منح دراسية لهم في المدارس أو الجامعات الخاصة بالدولة المنظمة للبرنامج. كذلك برامج تبادل الكفاءات المهنية، وهي عبارة عن نشاطات عملية أو دراسية تستهدف مجموعة تنتمي إلى مهنة محدَّدة، وتتيح للمشاركين فيها فرصة اكتساب خبرات جديدة، ومشاركة خبراتهم مع نظرائهم في دول أخرى، وبناء علاقات عمل.
أخيرًا، من المهم الإشارة إلى أنه رغم الفوائد والإيجابيات العديدة الموجودة في معظم هذه البرامج، إلا أنها كثيرًا ما تتعرَّض للانتقاد وعدم الثقة في أهدافها الحقيقية، إضافة إلى عدم مراعاة احترام خصوصيات الثقافات المختلفة. فبدلًا من قيام بعض تلك البرامج بالعمل على تمكين الشباب المشاركين، وتعليمهم وتدريبهم، فإن الأمر لا يخلو أحيانًا من الإيحاء إليهم بشكل مباشر أو غير مباشر بالتمرد على مجتمعاتهم وثقافتهم، وبالتالي تعريضهم للخطر بسبب صغر سنهم، وعدم وجود وعي كافٍ لديهم للتعبير عن آرائهم بشكل مناسب خلافًا للتمرد والمقاومة.
*نشر في مجلة القافلة عدد يناير/ فبراير 2021م. بقلم د. سعود كاتب