نظرة خاطفة على الصفحة الرئيسة لحساباتك عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وأخرى على قائمة من تتابعهم في تلك المنصات، تكشف كثيرًا من الأمور عن شخصيتك، وطريقة تفكيرك، واهتماماتك، بل ورغباتك الدفينة.
في نهاية القرن الماضي، دخلت وسائل الاتصال والإعلام حياتنا عبر ما أُطلق عليه وسائل التواصل الاجتماعي، لتؤثر في نمط الحياة بشكل واضح. والملاحظ أن أغراض التعامل مع هذه المنصات تختلف، فكثيرون يحققون الغرض الظاهر من مسماها، فيستخدمونها للتواصل مع الأهل والأصدقاء والزملاء.
وهناك من يعتبرها منافذ للمعرفة، إرسالًا واستقبالًا، فيتابع أبرز الشخصيات في مجال معرفي أو عدة مجالات، كما ينشر أفكاره وأطروحاته المعرفية. وهناك الغرض الاقتصادي البحت، إذ نشهد رواجًا كبيرًا للمنصات التسويقية للسلع التي تعرض منتجات أو خدمات متنوعة. كما نجد من اتخذوا حساباتهم على المنصات الاجتماعية مدونات ليومياتهم ونشاطاتهم، يبثون فيها مشاعرهم وهمومهم وانتصاراتهم.
ومن هنا، نستطيع التعرف على شخصياتنا عبر من نتابعهم. فهناك من يشكِّل الأصدقاء وأفراد الأُسرة العدد الأكبر من قائمة المتابَعين الخاصة به، ولذلك قد نستطيع القول عنه إنه شخص اجتماعي بدرجة عالية. وهناك من يحرص على متابعة المفكرين، والحسابات الثقافية التي تبث أقوالًا لأشخاص مميَّزين فكريًا عبر تاريخ البشرية، وهذا شخص حريص على التثقف والتطوير الذاتي.
أما من تجد قائمة متابَعيه مكتظة بذوي الاختصاص في مجاله، فهذا يدل على أنه شخص محب للمجال الذي يدرسه أو يعمل فيه، وهو حريص على الاستزادة من المعرفة، ومتابعة المستجدات في هذا المجال. وهناك من يحرص على متابعة الأطباء في تخصص ما أو في عدة تخصصات، وهذا إما أن يكون مهتمًا بصحته العامة، أو لديه مشكلة صحية يبحث لها عن علاج، وربما كان أحد أولئك الأشخاص المهووسين بالمرض والمرتابين منه.
وهناك من يتابع حسابات السياسة أو الاقتصاد أو الأزياء والتجميل أو التصوير أو الطهي، وهذا يكشف لنا اهتماماته وهواياته، وربما مجال عمله. المهتم بالرياضة سيتابع بلا شك حسابات عديدة تختص بالرياضة، وغالبًا برياضة محددة، وقد نستشف أن من يتابع عديدًا من هذه الحسابات الرياضية هو من من فئة الشباب والذكور. وقد يهتم بعض الأفراد بمتابعة المؤسسة التي تختص بالرياضة في منطقته، مما يظهر وعيًا أكبر لدى هذا المتابع، لأنه يأخذ المعلومات والأخبار من مصادرها الموثوقة.
موضوع متابعة وسائل التواصل الاجتماعي متشعب وذو أهمية بالغة، من حيث أنه سجل وثائقي كاشف لثقافة المجتمعات عبر الحقب الزمنية المختلفة. أما على الصعيد الشخصي، فهو رادار كاشف عن شخصية الأفراد ومقدار الوعي لديهم.
قديمًا قالوا: "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت"، أما النسخة المعاصرة من هذه الحكمة البليغة، فهي: "قل لي من تتابع، أقل لك من أنت".
* صباح عبدالكريم عيسوي: كاتبة وأكاديمية في مجال دراسات أدب الطفل.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.