لماذا لم تغب الأحلام عن آداب أي ثقافة في العالم؟ وما الذي توخاه منها حشد من عمالقة الأدب العالمي على مرِّ التاريخ من هوميروس إلى بورخيس؟
بالنسبة للبعض، كانت الأحلام المصدر الرئيس الذي استقوا منه أعمالهم النثرية أو الشعرية. وبالنسبة لآخرين، كانت الأحلام بحكم عشوائيتها مسرحًا يسمح للأديب بالتفلُّت من قيود الواقعية، وبنسج أحداث أقرب إلى الفانتازيا يكمل بها خطاب عمله الأدبي.
يتأمل المرء نفسه في الحلم بدلًا من تأمل العالم من حوله، فيدخل في ذاته كما يقول باشلار، وهكذا يكون هو نفسه الممثل والكاتب والجمهور والمسرح دفعةً واحدة على حد تعبير الشاعر الإنجليزي، جون درايدن. ويذهب الروائي الأرجنتيني، إرنستو ساباتو، أبعد من ذلك، حين يزعم أن الإنسان عندما يحلم يكون شاعرًا فذًا، لكن ما إن يصحو من الحلم حتى يعود مجرد مخلوق بسيط.
الأحلام في الأعمال الكبيرة
كافكا هو الآخر اعتمد على الأحلام والكوابيس. ألم يتحوَّل غريغور سامسا إلى حشرة ضخمة بعد ليلة مليئة بالأحلام المزعجة؟ فكأن كوابيسه قد غادرت حدود النوم وراحت تتحقق على أرض الواقع.
ولنتذكر معًا ملحمة جلجامش، ألم يرَ جلجامش في منامه نجمًا يهوي إلى الأرض؟ لم يكن ذاك غير أنكيدو. ثم ألم يحلم مرَّة أخرى بالجبل الذي يسقط؟ ليطمئنه أنكيدو في الحال بقوله إنهما سيتمكنان من قتل خمبابا الرهيب. وتتوالى هذه الأحلام والرؤى في الملحمة السومرية، لتتحقق جميعها كما لو أنها نبوءات أو رسائل من الإله.
ونجد الأحلام أيضًا في إلياذة هوميروس، وفي (الحرب والسلم) لتولستوي، و(الجريمة والعقاب) لديستويفسكي. وتكاد الأعمال الكبيرة لا تخلو منها إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. كما يمكن للعمل الأدبي أن يقوم بأكمله على الحلم كما في رائعة لويس كارول (أليس في بلاد العجائب).
وربما لعب الحلم دورًا خطيرًا كما هو الحال في رواية (1984) لجورج أورويل، إذ وشت الأحلام بالبطل (وينستون) وزجَّت به في غيابة السجن، أو دورًا طريفًا، كما في قصة انريكي اندرسن امبرت، حين رأت امرأة غيور زوجها في المنام يغازل إحداهن فصحت تتساءل بغضب، إذا كان زوجها يتجاسر في أحلامها، فما الذي لا يجرؤ على فعله عندما يكون وحيدًا في أحلامه!
* نُشر في مجلة القافلة عدد يناير/فبراير 2020م.