صديقي الذي لديه أطفال صغار، قال لي ذات يوم وهو نافذ الصبر: "لم يعد البيت هادئًا، وما عدت قادرًا على الاحتمال، أريد أن أجلس بهدوء، أريد أن أقرأ".
بالنسبة لي، وعند عودتي من العمل أتجه، لا شعوريًا وقبل الدخول إلى البيت، إلى محطة مهمة في روتيني اليومي، إنها بقالة الحي! أعرّج على البقالة الصغيرة أسفل العمارة، لأشتري بعض الأسرار. أملأ كيسًا من الأشياء الصغيرة بألوانٍ مغرية، وأستحضر ما تحبه ابنتي، وأبنائي خصوصًا "آخر العنقود"! ثم أصعد إلى شقتي في الدور الثالث! ومع كل درجة ارتقيها أبتسم وأنا أتخيلهم يتسابقون للقائي والسعادة راقصة على وجوههم! وكعادتي، لا أفتح الباب بالمفتاح الذي في جيبي، بل أقرع الجرس حتى ينتبهوا! أسمعهم من الخارج وهم يصرخون بأعلى أصواتهم "بابا....بابا.... بابا". ينسيني هذا تعبي ويملئني طاقة متجددة، وتغمرني سعادة استثنائية، فأحمد الله كثيرًا. ثم يتسابقون من يفتح الباب أولًا كمن كانوا يختصمون "أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ". أسمع ولدي ممسكًا بيد الباب ويذود عنها: "أنا وصلت أول". ويرد الأكبر بمكر: "المفتاح بيدي أنا"! أما فتاتي الصغيرة تترفع عن العراك كونها الآنسة بينهم، وأصغرهم لا طاقة له بهم، فليس لديه بسطة كافية في "العقل والجسم"! ولا يفض هذا النزاع إلا أن يحتكموا إلى أمهم التي كانت دومًا تقول: "كل يوم واحد يفتح الباب". وعندما يُفتح الباب بهذه الصفقة، تراهم كالعدائين في الأمتار الأخيرة يقفزون عليّ مثل القطط من كل وصوب وحدب!
كم كان يبهجني أنهم لا يلتفتون إلى الكيس الذي بيدي، بل لعودتي! أحملهم الأربعة مرة واحدة، وكان أصغرهم يحتاج مساعدتي ليرتقي أعلى كتفيّ ويمسك بشعري، ويتوزع الثلاثة بين يدي وظهري! وكلٌ فَرِح بمكانه ويشعر أنه الملك، والحقيقة فرحتي أنا أشدّ!
كبر الأولاد وصارت أشياء أخرى تشغلهم عن التسابق لفتح الباب، مشغولون بحياتهم، ودراستهم، ومشاكلهم الخاصة، كما أنه لم يعد جسدي ويداي قادرتان على حملهم الأربعة، فلا بأس!
لم تعد أكياس الشوكولاتة وشرائح البطاطا تغريهم، فأعذرهم لأنها سنة الحياة! انشغلت ابنتي بدراسة الماجستير والأوراق البحثية، وولدي الآخر لديه مقابلات عمل وبعض الدورات لزيادة مهاراته في هندسة المياه والبيئة، و"آخر العنقود" يشاهد مباراة مهمة لفريقه المفضل في الدوري!
كلّ واحد له عالمه ومشاغله لكنني أصبحت أشعر بطول درج العمارة، ومع مرور الوقت، بدأت باستخدام نسختي الخاصة من مفاتيح الشقة، وصار تركيزي بالقراءة أكبر.
أقول لكل الذين يشتكون من فوضى الصغار في بيوتهم، لا تفسدوا على أنفسكم أجمل لحظات حياتكم! استمتعوا بشقاوتهم وعراكهم وبكائهم! ولا تهملوا الشريكة التي ستظلّ تفتح الباب وتنتظرك، وتفرح بعودتك إلى مالا نهاية!
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة عبر آراء كتّابه