يُمثِّل التأقلم مع الوضع الطبيعي الجديد خلال أزمة كوفيد-19 أحد أصعب التحديات التي واجهناها هذا العام، فقد اعترت كثيرًا من الناس خلال هذه الفترة مشاعر الحزن والغضب والاكتئاب والتوتر والعزلة. وسواء أكان الشخص يعاني من تحولات كبيرة في مجريات حياته، أم يشعر بإحساس عام من التوتر نتيجة لوتيرة الأحداث المتغيرة بسرعة، فقد يواجه صعوبةً في تخطي مشاعر الإحباط واليأس التي تغمره حاليًا.
لذا، نحتاج في الوقت الراهن إلى تبنِّي عادات يومية بسيطة ترفع المعنويات، وتمنحنا الأمل لعيش الحياة بإيجابية، كما ينبغي لنا النظر إلى الجانب المشرق للأزمة المتمثل في إتاحة الفرصة لبناء جو من الإيجابية والمرح.
ويمكن البدء بذلك من خلال البحث في مكنون ذواتنا، وتنمية الشعور لدينا بالامتنان. ويساعد الشعور بالامتنان، عبر التفكير الواعي وإحصاء النعم بإيجابية، على تعزيز الصحة العقلية والجسدية. كما يمكن أن يساعد التعبير المنتظم عن الامتنان للآخرين وللنفس، في المحافظة على المشاعر الإيجابية وزيادة الرضا عن أسلوب الحياة، واكتساب المرونة النفسية، التي تساعدنا في التغلُّب على أي تحديات تعترض طريقنا.
وقد أظهرت بعض الدراسات أن التعبير عن الامتنان له تأثيرٌ إيجابي في مساعدة الأشخاص على التحكم بالتوتر، وأن الأشخاص الذين يعربون عن امتنانهم بانتظام تتحسن حالتهم العقلية والجسدية بشكل أكبر، ما يؤدي بدوره إلى تقوية نظام المناعة لديهم.
كيف يمكن تعزيز الشعور بالامتنان؟
ويمكن استخدام دفتر يوميات لتدوين أمرين أو ثلاثة أمور تُشعرنا بالامتنان كل يوم، أو محاولة إبداء الامتنان لأفراد الأسرة والأصدقاء والأشخاص الذين نعمل معهم. كما يمكننا العمل على زرع عادة الامتنان ضمن عاداتنا اليومية، وكتابة رسائل تذكير بحيث يصبح الشعور بالامتنان متأصلًا في طبيعتنا؛ حينها سنبدأ تلقائيًا برؤية الجانب المشرق للتحديات التي نتعامل معها.
وفي هذا المجال، يقول استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين، الدكتور أحمد الألمعي: "يمكن للحديث السلبي مع الذات أن يؤثر على حياة الشخص بعدة طرق؛ لذا يجب أن نبقى متفائلين، ونُظهر الامتنان لكل ما لدينا كي نحظى بحياة أكثر سعادة".
وربما تتساءل في هذه اللحظة: "كيف يمكن أن نجد جانبًا مشرقًا لأزمة كوفيد-19؟"؛ إذا لم يخطر ببالك أي أمر إيجابي، فيمكنك أن تطلع هنا على أقوال بعض من أبطال مركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي، الذين يعملون في الخطوط الأمامية وخلف الكواليس لمكافحة المرض.
وشارك المدير الطبي في قسم الرعاية الطبية الأولية في مرفق المركز في بقيق، الدكتور علي ملاه، ما تعلَّمه خلال هذه الفترة، قائلًا: "غيَّرت تجربة الجائحة حياتي، فقد علَّمتني إعطاء الأولوية لتوطيد العلاقات مع الأحباء، وتعزيز مشاعر الحب تجاه أفراد الأسرة والأصدقاء، وتقدير هبة الحياة التي منحنا إياها الخالق عز وجل، بعد أن أصبحت في عداد المُسلَّمات، بالإضافة إلى الإحساس بقيمة الوقت، وتثمين الذكريات السعيدة. كما ساعدتني الأزمة على النضج والاهتمام بالمرضى والأُسرة والأصدقاء والتعاطف معهم، والبقاء متفائلًا على الرغم من الغموض حول المستقبل، والوقوف بثبات في مواجهة الخوف".
من جانبها، اكتشفت مديرة وحدة التواصل والتسويق في المركز، سارة بالمر، مدى إبداع فريقها، كما أشارت إلى أنها أصبحت أقرب إلى أسرة العمل، حيث قالت: "أبدى أعضاء الفريق خلال عملهم من المنزل في فترة الإغلاق قدرًا كبيرًا من الابتكار والالتزام بالقضية. فعلى سبيل المثال، نظموا جلسات تصوير لمواعيد زيارة الطبيب عبر الاتصال المرئي لأفراد أُسرهم، بعد الحصول على إذنهم، لنشر فكرة الرعاية الصحية عن بُعد في المجتمع. أما أنا فاعتمدت على أُسرتي لدعم ابنتي، التي تدرس في إحدى المدارس في المملكة المتحدة، رغم أنه كان من الصعب أن نتمكَّن من التقارب في ظلِّ هذه الأزمة".
وأعربت مديرة قسم المختبر الإكلينيكي في المركز، سُها العمودي، عن تقديرها للزملاء الذين عملت معهم لمواجهة التحديات التي رافقت تفشي الفيروس، قائلةً: "رغم صعوبة الظروف خلال الأزمة، إلّا أنها علَّمتنا أن نكون أكثر امتنانًا. أشعر بالامتنان للزملاء الذين عملوا دون كللٍ لتخفيف مشاعر التوتر والخوف في المجتمع. لقد واجهنا عديدًا من التحديات خلال الفترة الماضية، وكان التحدي الأكبر الذي واجهناه هو إجراء اختبارات دقيقة خلال وقت قصير. قُمنا بعمل شاق استغرق آلاف الساعات، لكن العمل على التخفيف من حدة التوتر والخوف في المجتمع أمر يستحق العناء".
أمَّا مدير إدارة مكافحة العدوى والأمراض المعدية، ورئيس إدارة أزمة جائحة كوفيد-19 في المركز، الدكتور جعفر آل توفيق، فقال إنه يشعر بالامتنان وبإحساس أكبر بالانتماء إلى المجتمع، مضيفًا بقوله: "سمح لي تواجدي في الخطوط الأمامية للمعركة ضد الفيروس بالتعرف على مدى تقدير زملائي واحترامهم للخبرة والمعرفة، التي اكتسبتها على مر السنين في مجال الأمراض المعدية ومكافحة العدوى والسيطرة عليها. أحسست بالانتماء إلى المجتمع وزملاء العمل، لأننا جميعًا متَّحدون في مكافحة هذه الأزمة. واجهنا أوقاتًا عصيبةً، لكن بفضل دعم الأسرة والزملاء، تمكَّنت من الإسهام في مهمة مركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي النبيلة، المُتمثلة في المحافظة على سلامة المجتمع والمرضى، وكذلك الإسهام على الصعيدين الوطني والدولي بهدف هزيمة هذا المرض. اكتسبت دروسًا قيمةً خلال هذه الفترة، وأثق تمامًا أننا سنخرج جميعًا من هذه التجربة أكثر قوةً وحكمةً وامتنانًا".
نظرةٌ مختلفة نحو الحياة
سألنا أيضًا بعض المشاركين عن طريقة تغيير أزمة كوفيد-19 لمنظورهم تجاه الحياة، وكيف تغيَّرت أولوياتهم، فقال أحدهم: "جعلتني أزمة كوفيد-19 أدرك أننا أقوى مما نعتقد، وأكسبتني المرونة والقوة والشجاعة". وقال آخر: "تعلّمت خلال الجائحة أن مراعاة الناس والتعاطف معهم يمكن أن يساعدنا على النجاة".
وأشار مشارك آخر إلى أنه، كان يتعامل مع كثير من الأشياء على أنها مُسلمات، بما في ذلك الخروج في نزهة بسيطة، وتناول العشاء مع الأصدقاء، والتجمعات الأُسرية والروتين اليومي. وقال: "يُحزنني القول إن الأمر تطلَّب أزمةً عالميةً مثل كوفيد-19 لإيقاظي من السبات السلبي العميق الذي كنت أغطُّ فيه، وإدراك كم كنت محظوظًا، وكمية النعم التي كنت أحظى بها".
ويُعدُّ حس الفكاهة إحدى الطرق الجيدة للتخفيف من ضغوط الحياة اليومية، والمساعدة في تجاوز الأوقات الصعبة، وهذا ما نجده في تعليق أحد المشاركين، الذي أوضح أنه يميل إلى العزلة، وقال: "لقد قضيت حياتي أستعدُّ للتباعد الاجتماعي، والآن، وبفضل كوفيد-19، الجميع يفعل ذلك أيضًا".
ومع استمرار فيروس كوفيد-19 في الانتشار، لا تزال المحافظة على السلامة الشخصية واليقظة، إلى جانب تنمية الشعور بالامتنان، أمرًا بالغ الأهمية. لذا تذكَّر الالتزام باتباع الألفات الثلاثة: اغسل أو عقم يديك، والبس الكمامة، واترك مسافة.
وللحصول على مزيد من المعلومات والإرشادات حول طرق الوقاية من كوفيد-19، يُرجى زيارة صفحة فيروس كورونا المُستجد على موقع JHAH.com
ما هي الجوانب الإيجابية لكوفيد-19 في حياتك؟ شاركنا أفكارك مع Layal.Khatib@JHAH.com لإلهام الآخرين ولنشرها في "زاوية الامتنان" ضمن المجلة الصحية للمركز.
وفي حال كنت تعاني من الشعور بالاكتئاب أو التوتر أو العزلة، يُرجى الاتصال بخط المساعدة الخاص بالصحة النفسية لمركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي على الرقم 1919-870-013، المتاح من الأحد إلى الخميس، من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الثالثة عصرًا.