يحفظ مسارًا آمنًا بين كُثبان الصحراء وآفاق السماء..
مشروع تطوير مدرج الطائرات في الشيبة يفوز بجائزة تميز عالمية
في العشرين من شهر أكتوبر الماضي، حاز مشروع تطوير مدرج الطائرات في الشيبة على جائزة التميز في المشاريع لعام 2020م لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، وذلك خلال اجتماع عن بُعد استضافه معهد إدارة المشاريع.
ويُعدُّ معهد إدارة المشاريع مؤسسة عالمية تُعنى بتطوير مهنة إدارة المشاريع والعاملين ضمن هذا المجال، وذلك عبر نشر المعرفة وتوفير التدريب اللازم للمهنيين، وتعزيز التعاون بين مؤسسات تطوير المشاريع. كما يمثِّل المعهد جهة مرجعية فيما يخص المعايير العالمية لإدارة المشاريع، ويمنح اعتمادات في هذا المجال، ويحتفي بالمشاريع المميَّزة عبر جوائزه المرموقة. وقد تأسس المعهد عام 1969م، ويضمُّ في عضويته أكثر من 600 ألف مهني حول العالم.
تخطيطٌ فاعل واستثمارٌ للتقنية
وكانت الشركة قد اعتمدت تقنيات إنشائية مبتكرة، كما أظهرت كفاءة عالية وإدارة فاعلة للمشروع، الذي استُكمل خلال 77 يومًا، قبل الموعد المُقرر بأربعة أشهر، ودون وقوع أي حوادث.
وفي هذا الشأن، قال مدير إدارة مشاريع مرافق الزيت، الأستاذ أحمد العارضي: «لقد فاق هذا الإنجاز جميع التوقعات؛ ويُعزى إنجاز المشروع في وقت قصير إلى التخطيط اللوجستي الفاعل، والاستفادة من التقنية، وجهود التعاون المذهلة لكافة الأطراف المعنية، التي عملت بلا كلل لتسليم المشروع في أقصر مدة ممكنة».
وأضاف العارضي: «بيئة الشيبة من البيئات القاسية، التي يصعب العمل فيها بسبب بُعدها الجغرافي عن المدن. حتى إن مجرد الحصول على أيدي عاملة على وجه السرعة أو جلب أصغر المعدات يتطلب رحلة طيران؛ فلم يكن الأمر بسهولة إتمام العمل في مدن مثل الخبر وبقيق».
وقد تطلَّب المشروع، الذي تولى قيادته فريق إدارة المشاريع في أرامكو السعودية، تفانيًا وتعاضدًا بين خبرات عديد من المهنيين والإدارات في الشركة، بما في ذلك إدارة الطيران، وإدارة خدمات النقل والمعدات، وإدارة التفتيش، وإدارة الخدمات الاستشارية.
كما تلقَّى الفريق الدعم الكامل من عدد من الإدارات والشركات التابعة، كشركة أرامكو فيما وراء البحار، وإدارة الإنتاج في الشيبة، وإدارة الخدمات اللوجستية للمواد، والأمن الصناعي، وإدارة تخطيط المرافق، وإدارة مكتب إدارة المشاريع، إلى جانب شركة المقاولات المنفِّذة للمشروع (سينوهيدرو).
«يُعزى إنجاز المشروع في وقت قصير إلى التخطيط اللوجستي الفاعل، والاستفادة من التقنية، وجهود التعاون المذهلة لكافة الأطراف المعنية» أحمد العارضي
تطوير المدرج ونظام الإنارة
وبعد خدمة استمرَّت لعقدين من الزمن في صحراء الربع الخالي القاسية، كان المدرج الذي يبلغ طوله 10 آلاف قدم، بحاجة إلى تحسينات للمحافظة على سلامة أعمال الطيران في حقل الشيبة.
وتضمَّن مشروع الترميم إعادة رصف المدرج البالي باستخدام أسلوب منخفض التكلفة وصديق للبيئة، يُدعى (التفتيت الخرساني)، حيث تُكسَّر طبقة الخرسانة الموجودة لتُستخدم كقاعدة للسفلتة الجديدة؛ وهو أسلوب طبَّقته أرامكو السعودية للمرة الأولى في هذا المشروع.
وفي هذا الصدد، قال مهندس المشروع، هيلدر مارتنز: «بدلًا من التخلص من الخرسانة، أعدنا استخدام المواد المتوفرة مما زاد من متوسط العمر المتوقع للمدرج 30 إلى 40 عامًا، وذلك بثلث التكلفة»، مشيرًا إلى أن هذه هي المرة الثانية التي يُطبَّق فيها أسلوب (التفتيت الخرساني) في المملكة، إذ كانت المرة الأولى في مطار جدة الدولي.
إلى جانب ذلك، جدَّد المشروع نظام الإنارة في المدرج، ليتوافق مع معايير ومراجع الطيران الدولية، بالإضافة إلى تعزيز مستويات الأمان فيما يتعلق بالهبوط والإقلاع في الشيبة.
وتطلَّب هذا المشروع العملاق مجموعة واسعة من المهارات، واستغرق عامين ونصف من التخطيط الدقيق، الذي تضمَّن دراسات أجرتها كلٌّ من إدارة الطيران وإدارة تخطيط المرافق، بدعم من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بهدف الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة لتجديد المدرج.
مركزٌ لحركة النقل
وكان هذا المدرج قد أُنشئ عام 1997م بين مسطحين ملحيين في بحر من الكثبان الرملية في صحراء الربع الخالي الشاسعة، حيث يصل ارتفاع الكثبان حوله إلى 175 مترًا فوق مستوى المدرج. ويلعب المدرج دورًا رئيسًا في إيصال ملايين البراميل من الموارد الطبيعية كل يوم إلى العملاء، إضافة إلى نقل الموظفين والمقاولين من قاعدة النفط الهائلة في الشيبة وإليها، بكل يسر وارتياح.
وقال رئيس قسم مشاريع زيادة إنتاج النفط الخام في الشيبة، نزار الخليفة:
«كان التخطيط المبكر عاملًا رئيسًا في هذا المشروع؛ لأن المطار هو نقطة الربط الرئيسة لمنطقة الشيبة، وإغلاقه يؤثر على كافة المقيمين فيها».
وأضاف الخليفة: «الأحساء هي أقرب مدينة لحقل الشيبة، لكنها تقع على مسافة 600 كيلومتر منه، مما يجعلها لا تصلح كمركز نقل بديل، نظرًا لأعداد الموظفين الكبيرة ونشاطات النقل الأسبوعية».
وكانت الخطة المبدئية جعل المطار مفتوحًا، والسماح بهبوط الطائرات وإقلاعها على جزء من المدرج، ليكون تطوير المطار على مرحلتين. إلا أن فريق العمل، ومن خلال محاكاة الاحتمالات الممكنة، وجد عددًا من المخاطر الأمنية المتعلقة بإبقاء المطار مفتوحًا، وبالتالي تقرَّر إغلاقه وتحويل حركة المرور بكاملها إلى أقرب مدرج حكومي للطائرات على بُعد 150 كيلومترًا.
وشكَّل ذلك تحديًا جديدًا، لأن المدرج الحكومي لا يمكن الوصول إليه إلا بعد 90 دقيقة من القيادة الصعبة على طريق ذي مسارين.
السلامة أولًا
ورغم التحديات وطبيعة المكان الصعبة، نجحت الشركة في نقل 40 ألف شخص بسلام من حقل الشيبة وإليه، بواسطة أسطول حافلات أجرى 1800 رحلة، على مدار ما يقرب من ثلاثة أشهر استغرقها تنفيذ المشروع.
يقول مارتنز:
«لزيادة السلامة والأمن في الطريق بين المطارين، قامت إدارة الطيران وإدارة خدمات النقل والمعدات بتجديد بعض الأرصفة، وأُضيفت بعض الأكتاف على الطريق للتوقف في الحالات الطارئة. كما استخدمنا جهة خارجية لإدارة حركة المرور، والتأكد من سلامة الطريق لمركباتنا».
ومن خلال وضع الهدف نصب أعينهم، والالتزام باحترازات السلامة المشددة، استطاع الفريق تنفيذ المشروع قبل الموعد المحدد، مع تطبيق حلول ابتكارية، والتغلب على تحديات العمل في مواقع نائية، ضمن ظروف قاسية لم تخلُ من العواصف الرملية.
يقول مارتنز: «رغم الطبيعة المتسارعة لهذا المشروع، الذي يعمل فيه طاقم العمل باستمرار، وتدور فيه الآلات على مدار الساعة، تم إكمال أعمال الإنشاءات بسلام، دون وقوع أي حوادث».