«شكرًا كورونا!».. عبارة أطلقها الإعلامي مصطفى الآغا ليتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بنبرة تراجيدية تارة، وبنبرة كوميدية تارة أخرى، لكن عندما تتمعن بالعبارة وتأخذها من جانب محايد، فسترى أنها تحمل دلالة ظاهرية صادمة، وأخرى عميقة صادقة.
فالشكر هنا ليس للكورونا بالمعنى البسيط، ولكن الشكر لما تعلمناه من هذه الأزمة التي غيّرت المفاهيم، وزحزحت كل ماهو صلب لايتغير وجامد لا يتبدل؛ فالكثير من سكّان العالم كانت لديهم قناعات وتوجهات وأفكار مابين صائبة وخاطئة، وفي قرارة أنفسهم أن هذه الأفكار لم ولن تتغير مهما طال الزمن. لكن بعد انتشار هذه الجائحة، رأينا الكثير من الأصدقاء والأقارب والأحباب وقد تغيّر نمط تفكيرهم وأصبحوا أقرب إلى الواقعية منهم إلى التهويم والأحلام.
خلال فترة «الحجر المنزلي» تعلّم كثير من البشر أن الحرية نعمة يتوجب شكر الله عليها، لاسيما بعد أن أغلقت الأبواب لمدة تقارب الأربعة أشهر، تراقصت خلالها في مخيلاتنا تلك اللحظات الجميلة التي كنا نعيشها قبل الجائحة، وكيف أن الحياة كانت جميلة بينما نحن نتضجر ونتضايق من أبسط وأتفه الأمور.
عرف من يسكنون في شقة صغيرة أن النظر للسماء نعمة. وأدرك من هو منزعج من صوت منبه العمل كل صباح أن الاستيقاظ كل صباح للخروج والسعي خلف لقمة العيش أيضًا نعمة. تعلم من كان يصوم رمضان لمجرد الصيام أن الخروج لصلاة التراويح نعمة. من كان يشتري مايريد من الأسواق ويعود بدون تعب، تعلّم أن هذه نعمة بعدما أصبح واجبًا عليه تنظيف وتعقيم كل مايدخل منزله. حتى ميسورو الحال أدركوا أن حضور المال مع غياب الحرية يجعل من المال شيئًا شبه فاقد لقيمته.
شخصيًا، تعلّمتُ من درس كورونا أن الإنسان ضعيف مهما كان عالمًا أو تاجرًا أو ذا منصب، لأن فيروسًا لايُرى بالعين المجردة استطاع أن يجعل سكّان فلوريدا وماربيا والظهران وطوكيو ومقديشو ونيودلهي وبروكسيل يعيشون نفس اليوم ونفس الروتين.
تعلّمتُ أن كل ما كان يحدث في يومي نعمة يجب شكر الله عليها. تعلمت أن التسويف هو عدو الإنجاز، فعندما تريد فعل شيء، لا تقل سوف أفعل، بل فكّرْ في الأمر مليًّا ثم أقدم على فعله دون تردد. تعلّمتُ أن التفكير بتمعّن والتأمل في كل ماحولي والتعلم من دروس الآخرين دون الدخول في دوامة «حب الاطلاع لمجرد الاطلاع» هي نعمة كانت موجودة، لكنها كانت مهملة قبل أيام الحجر. تعلّمتُ أن الحياة أبسط وأجمل من أن أضيع يومي بالتفكير في مشكلة بسيطة حدثت في الماضي، أو بالتفكير في حدث وهمي مستقبلي قمتُ برسم سيناريو ممكن له، مع احتمال أن يتغيّر في أي لحظة.
تعلّمتُ أن الروتين عدو لدود لحرية المرء. تعلّمتُ أن الحياة لا تتوقف على شخص أو مجتمع بل تتوقف على ماتريده أنت ويريده تفكيرك. تعلّمتُ أن لكل فرد دوره المهم في المنظومة الكبيرة التي نسميها «العالم»، وأهم درس تعلمته أن «الصبر مفتاح الفرج» بالفعل كما علمنا آباؤنا وأجدادنا ومعلمونا؛ فالحمد لله على كل مانحن فيه من نِعم.
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال مايطرح فيها من أفكارمتنوعة تعّبر عن آراء كّتابها.