لاستثمار أمثل للفرص البيئية والاقتصادية..

الاقتصاد الدائري يمنح الموارد الثمينة حياة أخرى

الاقتصاد الدائري يمنح الموارد الثمينة حياة أخرى

لا يشكِّل الاقتصاد الدائري إلا 9% فقط من إجمالي الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يخلق فرصة تجارية وبيئية هائلة لإعادة استخدام 91% من موارد هذا الاقتصاد، أو إعادة تدويرها.

ويُدار معظم الاقتصاد العالمي اليوم بطريقة خطية، بحيث تؤول المواد الخام إلى مكبات النفايات، بدلًا من إعادة استخدامها أو تجديدها أو تدويرها. بيد أن الأمر مختلف في الاقتصاد الدائري، حيث يُعاد تدوير الموارد بطرق مختلفة؛ وخير مثال على ذلك حرص المملكة على إعادة تدوير المياه التي تُعدُّ من الموارد الثمينة للبلاد.

وأشارت دراسة أجرتها مجلة (إكسنتشر) بعنوان (من النفايات إلى الثروات) إلى أن النمو الاقتصادي الذي يتأتى من تبني نماذج الأعمال القائمة على الاقتصاد الدائري قادر على توفير 4.5 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2030م. كما أشارت دراسات أجرتها مؤسسة (إلين ماك آرثر) والمنتدى الاقتصادي العالمي إلى مزايا مماثلة تعود على قطاع الأعمال، وفوائد متمثلة في خفض الآثار على البيئة خفضًا كبيرًا.

تغيير ثقافة التخلص من الأشياء

وشرعت أرامكو السعودية في تنفيذ مبادرات تجعلها شركة رائدة في مجال الاقتصاد الدائري؛ فعلى مدى أعوام عديدة، طبقت الشركة هذا المفهوم، دون أن يتخذ شكل برنامج منظم وقائم بذاته. وقال النائب الأعلى للرئيس للخدمات الفنية، الأستاذ أحمد عبدالرحمن السعدي، إن تبني منهجية إدارية قائمة على الاقتصاد الدائري يخلق فرصًا اقتصادية وبيئية في الوقت عينه.

وأضاف السعدي: «يخلق الاقتصاد الدائري آفاقًا اقتصادية مذهلة للاقتصاد العالمي، وأرامكو السعودية حريصة على استغلال فرص الأعمال التي يخلقها من خلال المبادرة إلى تبني هذا النموذج التشغيلي؛ إذ يحقق الانتقال نحو منهجية الاقتصاد الدائري مزايا تنافسية طويلة الأجل ويعزز الاستدامة».

كما أوضح السعدي أن الأهم من ذلك حقيقة أن الاقتصاد الدائري هو مفهوم اقتصادي يتوافق مع الطبيعة، ويحقِّق الأهداف المتصلة بالمناخ والطاقة.

خطة عمل نحو الاقتصاد الدائري

وقبل تبني مفهوم الاقتصاد الدائري، حرصت أرامكو السعودية كل الحرص على دراسة بيئتها التشغيلية عن كثب، والاطلاع على دراسات هذا المجال التي أجرتها المؤسسات العاملة في القطاع، وكذلك أداء الشركات النظيرة.

وفي الآونة الأخيرة، أطلق مجلس المهندسين في الشركة مبادرة ترمي إلى تشجيع تبني الاقتصاد الدائري في كافة أعمالها. وقال كبير المهندسين ورئيس المجلس، الأستاذ جميل البقعاوي:

«دشَّنت الشركة برنامج الارتقاء بالمهارات وتخريج الكفاءات في مجال الاقتصاد الدائري، حيث تخرَّج منه حتى الآن أكثر من 550 موظفًا وموظفة».

وأضاف البقعاوي أن الشركة ترغب في تسريع وتيرة استثمار هذه الفرصة، بغية تعزيز التنافسية، وإطلاق العنان للابتكارات، وخلق وفرة من فرص تحقيق الأرباح وتحسين أدائنا البيئي إلى حد كبير، ليس على مستوى الشركة فحسب، بل على مستوى المملكة كذلك.

وضمن جهودها الرامية إلى تطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري، أضافت أرامكو السعودية إجراءً جديدًا ضمن برنامج التميُّز التشغيلي، لتسترشد بها كافة الإدارات في مساعيها لتطبيق مفهوم هذا الاقتصاد.

كما فرضت الشركة متطلبات تصميم الاقتصاد الدائري في مخرجات مشاريعها الرأسمالية، التي تخضع لنظام إدارة رأس المال في الشركة.

جهودٌ متنامية

وأشار البقعاوي إلى أن الشركة قادرة على تقديم إسهامات كبيرة للوصول إلى اقتصاد عالمي دائري، وقال:

«تمتلك أرامكو السعودية خبرة كبيرة تمتد على مدى عقود طويلة في هذا القطاع، ولديها عقلية متأهبة لتنفيذ المشاريع، وكوادر بشرية مميَّزة، برهن التاريخ على سرعة تأقلمها مع التغييرات ومواكبتها للتحديات».

وقال البقعاوي: «هناك عديد من الأمثلة على تبني كافة دوائر الشركة للمبادئ التشغيلية للاقتصاد الدائري، ومع ذلك لا يزال بوسعنا الارتقاء بمستوى جهودنا في هذا الصدد؛ فنحن نريد من الجميع أن يفكروا ويعملوا بطريقة تتواءم مع الاقتصاد الدائري». ويتطلب التحول إلى الاقتصاد الدائري الالتزام بتغيير الثقافة التشغيلية، التي ينبغي غرس جذورها بداية من مرحلتي التخطيط والتصميم.

الحد من انبعاثات الكربون

ضمن الإطار العام لتبني المملكة للاقتصاد الدائري، تعمل الشركة على تشجيع تبني الاقتصاد الدائري منخفض الكربون، الذي يركز على الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وإعادة استخدامها وتدويرها وإزالتها.

الحد من الآثار البيئية  

إعادة حقن الكربون في مكانه الطبيعي 

على اليابسة التي تضمُّ أكبر حقل نفطي في العالم، وهو حقل الغوار، تنفِّذ أرامكو السعودية مشروع استخلاص الكربون وإعادة حقنه، وهو المشروع الأكبر والأكثر تطورًا في منطقة الشرق الأوسط. ويمثِّل هذا المشروع حجر الزاوية لبرنامج التخلص من الكربون في المملكة، الهادف إلى الحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ويسلِّط الضوء على الدور الريادي الذي تقوم به أرامكو السعودية لمعالجة التحديات المناخية العالمية. 

وقال مدير معمل استخلاص سوائل الغاز الطبيعي في الحوية، الأستاذ أحمد الحربي، إن المشروع يحول دون تحول الكربون إلى غاز مسبب للاحتباس الحراري، مضيفًا أن المشروع نجح في إعادة حقن 800 ألف طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون منذ عام 2015م. 

وأشار الحربي إلى أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التابعة للأمم المتحدة، ترى أن تطبيق تقنية استخلاص الكربون على نطاق واسع يضطلع بدور بالغ الأهمية في خفض الانبعاثات الكربونية مستقبلًا. 

ويقوم معمل استخلاص سوائل الغاز الطبيعي في الحوية بفصل ثاني أكسيد الكربون القادم من معمل الغاز في حرض عن الغازات الأخرى، ثم تجفيفه في وحدة خاصة مصممة لاستخلاص 45 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم من غاز ثاني أكسيد الكربون الرطب، ومن ثم ضغطه حتى 3000 رطل للبوصة المربعة، وضخه في الأنابيب إلى موقع إعادة الحقن في العثمانية. 
وعبر خط أنابيب، يُنقل الغاز المُسال عالي الضغط مسافة 85 كيلومترًا إلى معمل فرز الغاز من النفط رقم 7 في العثمانية، لإعادة حقنه واستخدامه في تقنية الاستخلاص المُحسَّن للنفط. ويُستخدم المبدأ الأساس لهذه التقنية في قطاع التكرير منذ عقود. ويُنقى الغاز الطبيعي المستخدم لتوليد الطاقة من ثاني أكسيد الكربون.  

تبني التقنيات المبتكرة

إعادة استخدام المياه

إن المياه متطلب أساس لاستمرار الحياة، وتكتسب أهمية سواء أكانت مجرد قطرات من الندى أم سيلًا جاريًا، وهي مصدرٌ لا يُقدَّر بثمن، نظرًا للطبيعة الصحراوية في المملكة.

وفي هذا الصدد، أشار المدير التنفيذي لخدمات أحياء السكن، الأستاذ فيصل الحجي، إلى أن المحافظة على المياه أولوية في الأحياء السكنية التابعة للشركة، حيث تُستخدم المياه المعالجة في هذه الأحياء للري ولتبريد وحدات التكييف المركزية، وقال الحجي: «من خلال إعادة استخدام المياه المُتخلص منها في معامل مياه الشرب، وزيادة استخدام مياه المجاري المُعالجة، نقوم بترشيد نحو 4.8 مليار غالون سنويًا من مصادر المياه الجوفية الثمينة».

وقد تغيَّرت طريقة ترشيح مياه الشرب، المستخدمة في وحدات التناضح العكسي، من استخدام مرشحات الرمال إلى المرشحات الإسطوانية، فأدى هذا التغيير إلى الاستغناء عن الحاجة للغسيل العكسي، مما نتج عنه تقليل الفاقد المائي بواقع 5000 غالون في اليوم، بالإضافة إلى تبسيط التعقيد التشغيلي، وتخفيض تكاليف الصيانة على المدى البعيد.

وأثبتت مبادرة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بدلًا عن المياه الخام غير المتجددة في أبراج تبريد محطات التكييف المركزية أنها آمنة وموثوقة، فنتج عن ذلك تحسُّن كفاءة استهلاك الطاقة في وحدات التكييف، وانخفاض وتيرة تراكم الجير في أنابيب المكثفات، الأمر الذي قلَّص بدوره أنشطة الصيانة، وتُسهم إعادة استخدام الموارد في زيادة دورة حياة الأصول في الأحياء السكنية والمكاتب التابعة للشركة في جميع أرجاء المملكة.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge